حين تغيب الشمس تولد النجوم في السماء فتلمع بصور متفاوتة لتطمئن القلوب الوجلة بعودة الشمس للشروق من جديد وفي منتصف الشهر يطل القمر مختالا بهالته الفضية ليبث السعادة في نفوس المخلوقات واغصان الشجر ويذر الضياء على قمم الجبال والتلال لتذكير الظلام بوجود الضياء وان الشمس قادمة في الغد في ليلة مقمرة كان يسير خارجا من المدينة الصغيرة يتبعه ظله وعلى ظهره يحمل ابنه الصغير كالمعتاد متجها الى مغارة له في عرض الجبل المطل على المدينة ولم يكن احد من أهل تلك المدينة الصغيرة في حصير من القماش فوق ظهره يعمل في كل مجال يستطيعه في الفلاحة والسقاية في حمل الاشياء ونقلها دون ان يعيقه حمل ابنه لان الطفل كان صغيرا خفيفا. عندما كبر الابن وكبر الاب ثقل عليه الحمل فصار يضعه بجواره اثناء العمل في حرث الارض كان اشد ما انهكه السير على قدميه مسافات طويلة للبحث عن عمل يقتات منه هو وابنه الصغير وبعد قطع تلك المسافات يباشر العمل بهمة ونشاط دون ان يستريح. كبر الاب واشتد عوده وكبر الاب ورق عظمه وكانت ضخامة جسم الاب حمل على عظمه الذي وهن وعندما شعر بذلك الضعف صار يحث ابنه على مساعدته في العمل ولكن الابن اعتاد ان يحمل دائما على الاكتاف يطل على الآخرين من عل ويشاهد هامات الناس وهي تسير عن يمينه وعن شماله فلم يرق له بعد ذلك ان يسير موازيا لهم او اقل طولا من بعضهم فصار يجلس في الغار الذي تحول الى كوخ تحيط به النفايات حاول الاب ان يفهم الابن بأن للعمل طعما وان جسمه قد دب فيه الوهن جراء السير مسافات طويلة وهو يحمله وانه الآن قد شاخ ولم يعد بمثل قوته فقد احس بالمرض يسري في جسده ولكن الابن يشيح بوجهه عن هذا الحديث الممل الذي كثر تكراره عليه من ابيه. ذات يوم خرج الابن غاضبا ولم يعد الى الغار كان الاب المسكين يتحامل على نفسه ويبعد النفايات عن مدخل الغار وفي بعض الايام ينهض ليعمل لكسب بعض القوت ولكنه يبقى اياما طريح الفراش النتن وفي الايام التي يقعده الاعياء والمرض في مغارته تطل عليه قطة صغيرة كان يرمي لها الطعام فيما سبق وتظل في مكانها لفترة وهي تموء ولم يكن يستطيع ان يمنحها سوى النظرات الحانية فتعود القطة من حيث اتت وكأنها ادركت معنى نظرات ذلك الهرم المريض مرت مدة طويلة لم يعد احد يشاهد ذلك الرجل الطويل الذي كان يعمل وابنه على ظهره فقال الناس ربما انه عاد الى اهله وربما ان ابنه قد كبر وحمل عنه اعباء الحياة بعد ان كبر الاب. مع طلوع الفجر كانت خطوات الابن القوية تنهب الطريق نحو المغارة كان يفكر كيف سيقابل والده؟ كيف سيعتذر اليه؟ وهل يقبل عذره بعد كل هذا الغياب الطويل؟ وقبل أن يصل الى الغار توهم انه يسمع صوتا خافتا كالانين او المواء فحث الخطى باتجاه مدخل الغار الذي اندفع اليه ضياء الشمس يسابق ذلك الابن الذي آب ليشاهد الهيكل العظمى لوالده مسجى على الفراش تغطي الجزء الاسفل منه قطعة من القماش الممزق وقد تحللت جثته وبقي الهيكل العظمى وشاهد قطة صغيرة تفر هاربة من الغار الى الخارج.