إن نسيت فلن أنسى أستاذ الفيزياء في ثانوية الهفوف الأولى أحمد اسماعيل (مصري)، كان قدوة في كل شيء، وأستاذ اللغة الانجليزية والترجمة سيد خليل (سوداني)، كان يشع صرامة وايجابية، وحسين عرقوب أستاذ اللغة العربية في متوسطة أبوبكر الصديق -رضي الله عنه- في رقيقة بالهفوف بحطته الفلسطينية، وملامحه الجادة، وتمكنه المذهل في مادته. ولن أنسى عشرات الأساتذة غيرهم على رأسهم أساتذة من أبناء وطننا الغالي، لكني أخص الوافدين؛ إذ ليس من الإنصاف إنكار فضل الآخرين. ولن أنسى في الجامعة د.عدنان عابدين، فقد كان أكثر من أستاذ للمحاسبة، بل آلة لشحذ الهمم. وإن نسيت فلن أنسى ما قاله لي د.فيرنون كبير الاقتصاديين في شركة تكساكو للنفط (أيام عزها) أثناء فترة التدريب التعاوني في مكاتبها في نيويورك: «هذه فرصتكم لتنوعوا اقتصادكم وتحولوا الصحراء إلى جنة، فالنفط لن يبقى». كان ذلك في أواخر السبعينيات الميلادية، ثم راسلني بعد عودتي يعلن عن بهجته بأن الحكومة أسست الهيئة الملكية للجبيل وينبع وسابك. وإن نسيت فلن أنسى عشرات الزملاء ممن عملت معهم سواء عربا أو غير عرب، وكيف علمني كل واحد منهم شيئاً مهماً، أذكر أني عملت في أحد البنوك المحلية فور تخرجي من الجامعة، في إدارة الائتمان والتسهيلات، وكان يرأسها زميل مصري يسمى محمد سعد، قال: هذه حالة عملية لشركة تطلب تسهيلات، إقرأ الملف وأكتب تقريراً ولك ثلاثة أيام، بعد يومين من تسليم التقرير عاد بملاحظات: أراجعت ما كتب؟ وكانت ملاحظتي: هذه أشياء لم نأخذها في الجامعة. قال: بالضبط، هذا هو الدرس الأول والأهم، إن معظم ما ستتعلمه في حياتك العملية لم يسبق أن مرّ عليك في الجامعة. وممن زاملت أثناء عملي في قطر رجل أنضجته تجارب الحياة د.محمد بابان (عراقي)، أذكر أننا كنا نعمل على دراسة استشارية مشتركة، وبرزت لي عقدة أتعبتني، فقال: «عندما تقابلك سكة سَدّ شنو تسوي؟ إما تدخل في الجدار أو ترجع وتلف من الجهة الثانية»! لكل منكم قصة أو قصص مع مَنّ وفد إلى بلادنا -حفظها الله-، ليست بالضرورة إيجابية، لكن علينا أن نتذكر أننا نحن مَنّ استقدم، ولو كنا نستطيع القيام بالوظائف دون الاستعانة بهم لفعلنا. لذا، لابد أن نتذكر أن كل وافد ضيف، وأن عدم الانضباط يتطلب طرفين: وافد مخالف، ومواطن مخالف، وإلا، فأين كانت تعمل كل هذه الملايين من العمالة المخالفة؟! إن كنا نطلب من الوافدين الانضباط - وهذا مطلب لا غبار عليه - فعلينا كذلك - كمواطنين - أن نكون قدوة في عدم مخالفة النظام، وألا نبرر أو نجيز الخطأ لأنفسنا، ولنتذكر دائماً أننا سنحتاج لوافدين لسنوات طويلة قادمة، وأننا نحن من استقدمهم، وأن منا من اختار أن يكون «كفالاً» وأن يخالف نظامي الاقامة والعمل عن سبق إصرار وترصدّ؛ ليكسب ريالات، ولو على حساب مصالح الوطن وأهله. @ihsanbuhulaiga :تويتر