وأخيراً دخلنا مرحلة أن من يلتحق في جامعة أو كلية أو معهد يهدف الحصول على مهارة وقدرة تعزز إمكانية حصوله (أو حصولها) على وظيفة يعتاش منها ويحقق ذاته ويخدم مجتمعه ووطنه. وبالتزامن بدأنا نخرج من عقلية أن الدراسة الجامعية أو ما فوق الثانوية هي للثقافة ولتوسيع الأفق أما الحصول على عمل ذلك شأن آخر. إن هذا النضج في أن اكتساب المهارات وتنمية القدرات القصد منه تعزيز انتاجية الفرد لدعم انتاجية المجتمع ككل، فالقصد من كل ذلك زيادة الانتاجية «الجمعية» –إن جاز التعبير- بصورة متواصلة. وكمجتمع نعاني على مستويين من قضية الانتاجية هذه؛ فهي متدنية من جهة العامل وقد وثقت ذلك الادبيات الاقتصادية ولابد أن نسعى حثيثاً لتوجيه آلتنا التعليمية لوضع مقررات وتعديل المقررات الحالية بما يجعل الطالب أكثر وعياً واهتماماً حتى يصبح مواطناً منتجاً يضيف فلا يصبح همه مجرد الأخذ! وتنامي انتاجية العامل في اقتصادنا السعودي لن يحسمها مجرد الاهتمام برفع انتاجية المواطن بل كذلك باستقطاب أفضل العمالة العالمية، والأفضل هنا يعني الأعلى انتاجية وألا يستقدم لسوق العمل أي شخص يريد أن يعمل في السعودية وبالتأكيد لن ينفع الاقتصاد كثيراً أن يستقدم الأقل أجراً والأدنى انتاجية؛ فإنتاجية العامل في اقتصاد ما هي كم متكامل، فلا يجدر بصاحب العمل الظن بأن قرار اختيار العامل الوافد يبدأ وينتهي عنده، إذ أن تدني انتاجية العامل الوافد عبء على الاقتصاد الوطني.، فإن ضربت ذلك بمئات الآلاف سيكون العبء ثقيلاً ومربكاً كما هو ملاحظ الآن من تدني متوسط انتاجية العامل! أما المستوى الثاني للمعاناة فهو أن انتاجية العامل لا تتحسن -إجمالاً- من عام لآخر، إذ ليس هناك نمو ملحوظ في انتاجية العامل نتيجة لاكتسابه المزيد من الخبرة والمعرفة والتدريب والتأهيل، وهذا أمر يستحق التوقف عنده لأكثر من اعتبار: الأول، أن نمو الانتاجية لا يأخذ حيزاً حقيقياً من جهودنا لرعاية الموارد البشرية، بل ان هذا النمو لا يخضع لأي دراسات معمقة من أي نوع وما نعرفه هو عبارة عن انطباعات. ثانياً، ان قضية الحفاظ على الرأسمال البشري قضية نحكي عنها لكننا لا نحافظ على الرأسمال البشري حقيقة فكل يوم يغادرنا خبراء قضوا بيننا سنوات يكتسبون خبرات وأخذوا سنوات من رأسمالنا البشري معهم! قد يتساءل شخص: وما الحل؟ الوافد سيأتي لكي يغادر طال الزمان أم قصر. أتفق، لكن الخطأ الذي ما برحنا نرتكبه أننا نستقدم أعداداً هائلة ممن لا يمتلكون أي خبرة، وبذلك يراكمون عبر السنوات -بالاضافة لأجورهم المستحقة- الخبرة والمعرفة ويغادرون بكل ذلك. والاشكال هنا: أن ليس لدينا أي طريقة مقننة ومنهجية ومنضبطة لنقل المعرفة، وأننا لا نحرص على استقدام أصحاب الخبرة والمعرفة ممن يقومون -بمجرد وصولهم- بتنمية الرأسمال البشري..وليس العكس. وهكذا، فإن ما فعلته «حملة الجوازات» لا يقدر بمال، فقد بدأت تعيد لسوق العمل مرتكزاً افتقدته لسنوات وهو الانضباط، لكن ليس بالانضباط وحدة تنمو سوق العمل وتتعزز الانتاجية بل بجملة أمور كذلك، منها: انتقاء الوافدين الأعلى انتاجية ليضيفوا للانتاجية ولا يأخذوا منها، وأن تبرمج جامعاتنا وكلياتنا ومعاهدنا الملتحقين بها أن نجاحهم يبدأ بالوظيفة وأن مجرد حصولهم على شهادة لا يعني شيئاً إن لم يمتلكوا قدرات ومهارات ذات قيمة لسوق العمل.. وأنصحهم بأن يهتموا أكثر بمكاتب التوظيف ليصبح أحد معايير الأداء مدى قدرة الجامعة او الكلية على إيجاد وظائف قيّمة لخريجيها. تويتر: @ihsanbuhulaiga