يسافر المواطنون الأحسائيون طوال العام إلى بلدان مختلفة؛ الخليجية، والعربية، والعالمية، وذلك من أجل شغفٍ ثقافي مميز، وهو زيارة معارض الكتب في أي مكان كانت. بل إن بعض المثقفين الأحسائيين لا يرون بعضهم إلا في خارج المملكة وذلك عندما يلتقون في معارض الكتب والملتقيات العلمية. لا أدري ما هي الأسباب التي تحد من وجود معرض كتاب في محافظة الأحساء؟ وليست المسألة في وجود معرض كتاب من عدمه، بل لماذا نفتقد للمبادرات الثقافية؟ لماذا نحرم الأجيال من وسيلة مهمة من وسائل الاطلاع والتثقيف؟ لماذا نقولب تعليمنا وثقافتنا في مجالاتها الرسمية فقط؟القارئ الأحسائي شغوفٌ بالكتاب، يحرص على اقتنائه وقراءته، ويتفاخر كثيرون بامتلاكهم لمكتبات خاصة يربو عدد كتبها على الآلاف من شتى أنواع الثقافة والمعرفة، ولنا أساتذة وأصدقاء نزورهم في بيوتهم، وإذا أردت الحق فإننا نزور جنانهم الوارفة بأوراق الكتب القديمة والحديثة، ونتفيأ عبق المعرفة وحب الثقافة وهمَّ الاطلاع الكبير، وإن كان لي من ذكرى فما أجمل ذكرياتنا الجميلة في المكتبات الخاصة كمكتبة الشيخ الأديب أحمد بن علي آل مبارك رحمه الله، والأديب أحمد الديولي، والأديب مبارك بوبشيت والأستاذ المربي عبدالله اليوسف أبوسمير، وكثير من أساتذتنا وأصدقائنا المميزين في عالم الكتاب والمعرفة. ومع ما يحمله المثقف الأحسائي من حبه وتميزه في جمع الكتب واقتنائها وقراءتها، إلا أن الأحساء لا توجد بها معارض للكتب! لا شهرية ولا سنوية، ولذلك فالمشهد الثقافي والمعرفي مشهد منبت، ومنقطع الصلة عن الإنتاج والاستثمار في العقول والجيوب على حدٍ سواء، ولا أدري ما هي الأسباب التي تحد من وجود معرض كتاب في محافظة الأحساء؟ وليست المسألة في وجود معرض كتاب من عدمه، بل لماذا نفتقد للمبادرات الثقافية؟ لماذا نحرم الأجيال من وسيلة مهمة من وسائل الاطلاع والتثقيف؟ لماذا نقولب تعليمنا وثقافتنا في مجالاتها الرسمية فقط؟ لماذا لا يكون هناك معرض كتاب ناتج عن شراكة محلية وطنية بين جامعات ومؤسسات وبنوك المحافظة بل والمنطقة؟ أليس من الضروري أن تذهب فتياتنا وطالباتنا وأبناؤنا الصبيان والمراهقون والشباب لمثل هذه المعارض في بلدهم؟ خاصة إذا علمنا أن كثيراً منهم لا يستطيع الذهاب لمعرض الرياض الدولي وذلك لكونه يقام في أيام الدراسة، ولكون الكثير من الأسر لا تستطيع السفر، فلماذا نحرمهم من ذلك؟ هناك نماذج ثقافية ومعرفية نشأت من تلقاء جهدها وسفرها، وشكلت لنفسها عالماً خاصاً مع الكتاب المعرفي بشتى أنواعه، ولكن الجيل اليوم بحاجة لأن نفتح له هذا الجانب الحيوي والمهم من تأسيس الوعي والثقافة، لاسيما أن جيل اليوم قد انزوى لعالم التكنولوجيا، وعالم الاستراحات، والجلسات الخاصة. كثير من جيل اليوم فقد قدرة التواصل مع الآخرين وذلك لأسباب الانزواء، ولضعف المبادرات الثقافية ومعارض الكتب، تلك المعارض التي من الممكن أن يجد فيها جيل اليوم عدداً من المناشط والمبادرات التي تفتح ذهنه وذائقته لجماليات الحياة والمعرفة والعلاقات الإنسانية المشتركة، لم تعد معارض الكتب اليوم لمجرد البيع والشراء، بل من الممكن أن تكون وسيلة تحفيز ونشاط وتنمية ذاتية ووطنية إذا قام عليها متخصصون واعون في مجال التنمية الثقافية والشبابية والاجتماعية، وعقدت من خلال ذلك مسابقات في الكتابة والتأليف والتصميم الورقي والإلكتروني، ولو أضيفت دورات في هذه المسألة مصاحبة لمعرض الكتاب فهذا سيحفز كثيرين على الإنتاج والإبداع. في الأحساء مركز للمعارض، ويفتتح بشكل دائم طول السنة ولكن من أجل الاستهلاك للسلع والبضائع التي تأتي من خارج المملكة، ومادام الأمر كذلك فلماذا لا يكون مركز المعارض محتضناً لمناشط معارض الكتب؟ لماذا تقف الجامعات وإدارة التعليم وغرفة التجارة ورجال الأعمال والبنوك والأندية موقف المتفرج؟ لماذا لا نجد مثل هذه المبادرات؟ بل أين مبادرات خدمة المجتمع الملحقة بكل مؤسسة من هذه المؤسسات؟ هل هي تعمل بشكل صادق وحقيقي أم أنها مجرد حبر على ورق؟ إن وجود معارض للكتب -بشكل دائم أو دوري- معدوم ليس في محافظة الأحساء فقط، بل في كل محافظات ومدن المملكة، والحديث الذي نخصصه عن الأحساء يتطابق مع كثير من هموم مناطق ومحافظات وطننا الكبير، ولذلك أتمنى من الإخوة المسؤولين أن يفعلوا هذا الجانب لما فيه من آثار على الناتج الاقتصادي والتنموي المادي والبشري، إن معرضاً واحداً للكتاب يقام في الرياض العاصمة أمر مشرف وناجح، ولكنه غير كافٍ في مملكة تعد الأكبر والأهم، ويعد مواطنوها هم أكثر الناس استهلاكاً وإنتاجاً للكتب والتأليف في المنطقة. تويتر @saldhamer