في عددها الثاني والصادر عن كلية الآداب - جامعة البحرين، تدخل (مجلة ثقافات) المشهد الثقافي بقوة وشجاعة حاملة معها اريج الابداع وسخونة الوعي لاقلام عربية ومحلية مليئة بالبوح الانساني العميق وبالفكرة المضيئة التي تشكل اضافة نوعية لقارئها. فبعد حضور لافت ومتميز لاصدارها الاول تتبع هذا الحضور بالاصدار الثاني لها والذي يشي للمطلع عليه بوجود قناعة راسخة للقائمين عليها تدفعهم الى مواصلة المستوى الراقي الذي ظهرت ملامحة في عددها الاول الذي شكل مفاجأة جميلة للقارئ ولا غرو فهذا رئيس تحريرها الشاعر والناقد المعروف الدكتور علوي الهاشمي يشهر تحديه والفريق الذي يعاضده هذا الهم الثقافي ويعلن: (لن نقف على ضفاف المنجز من عملنا ونترك نهر الزمن يمضي وحده بعيدا عنا. بل نحن مصممون على ركوب النهر المتدافع موجة موجة ولحظة لحظة وطموحا اثر طموح، هكذا سنظل نسكن هاجس الشرار المتطاير من النار بعيدا عن موقدها ناهيك عن رمادها المتخلف).. ويؤكد الدكتور علوي الهاشمي في سياق كلمته التي صدر بها هذا العدد ان ولادة (ثقافات) تجيئ في زمن صعب على الصعيدين العربي والعالمي لذلك كان على الانسان في هذا الزمن ان يتمسك بثقافته كما يتمسك الغريق بطوق النجاة الاخير. او عليه ان يبني سفينته الثقافية كما بنى نوح عليه السلام سفينته وهو يواجه الطوفان الاعظم، حيث اخذ معه من كل زوجين اثنين حفاظا على الحياة من الزوال، وحرصا على اتصال شبكة الحوار بين الكائنات الحية جميعها وفي مركزها الانسان ووجوده البشري الاعلى. وقد وضح حرص مجلة (ثقافات) على استكتاب واستقطاب اهم الاسماء الثقافية ذات الحضور المتوهج حيث استهلت المجلة دراسة رصينة ومتميزة للناقد العربي الكبير احسان عباس عن (المتنبي وموقفه من الطلل)، اوضح فيها احسان عباس انه موضوع اخفى فيه هدفا طالما حاوره وهو ان الموضوع في الشعر الكلاسيكي بطيء تغيره او تحوله وبخاصة اذا وجد شاعرا كبيرا مثل المتنبي، يخلق في زوايا جديدة لم ينتبه لها السابقون. وهو موضوع - بحسب احسان عباس- يلائمني ذاتيا لاني انظر الى اثنتين وثمانين سنة مرت وذهبت سدى، اي انها الطلل الذي انظر اليه متحسرا لامقدسا له كما فعل المتنبي: وكيف التذاذي بالأصائل والضحى إذا لم يعد ذاك النسيم والذي هنا كما قدم الدكتور عبدالله الغذامي مقالة بعنوان (سؤال الواقع الثقافي) تساءل فيها: هل الواقع الثقافي هو ما نصنعه بأيدينا وقراراتنا.. ام هو ما نرثه ونجد انفسنا منساقين به ومعه..؟ مشيرا إلى أننا قد نظن ان الخطط والبرامج هي ما يشكل المشهد الثقافي لأمة من الأمم، وهذا امر ساد الاعتقاد فيه وأنساقت دول كثيرة في العالم الثالث وراء هذا الظن وسعت نحو تأسيس هيكلية ثقافية ادارية وتخطيطية ويستطرد الغذامي في مقالته المعمقة الى ان يخلص الى ان ادراكنا للمتغيرات العصرية وتفهمنا لشروط حضارة الوسائل هو السبيل الى وضع تصور عن خطط ممكنة لمستقبل الثقافة العربية، وعلينا ان نعي ان المدرسة لم تعد هي التي تعلم، وان الاب لم يعد هو الذي يربي، وان المؤسسات الوطنية لم تعد هي التي تثقف مؤكدا انه لابد من ان ندخل المضمار واضعين انفسنا في شروط اللعبة لكي نحصل على نصيب من فعل التأثير وفعل الارسال، املا في تحقيق درجة معقولة من الاستقبال الجماهيري التي صارت الان تملك القدرة على المقارنة، كما لم تملكها من قبل. كما حفل هذا العدد بدراسات مهمة مختلفة (النقد العربي والعولمة) للناقد العراقي عبدالله ابراهيم و(الاسئلة الغائبة في الديمقراطيات العربية سؤال المرجعية/ واسئلة المجال) لكمال عبداللطيف، و(صور الحداثة اليابانية في الفكر العربي المعاصر) لمسعود ضاهر و(التأويل البرهاني في فلسفة ابن رشد) لعبدالقادر فيدوح و(التحليل النفسي) لاحمد اوزي. اما نقد الخطاب الشعري فكان من ابرز الدراسات انشودة المطر (الدراسة والقصيدة) لعبدالكريم حسن وفضاء الالتفات في النص الادبي) لخيرة حمر العين و(ادونيس الشاعر وطارح الاسئلة) لامجد ناصر. كما شمل العدد نصوصا ابداعية وحوارات ومكتبة ثقافات ودراسات ونصوصا مترجمة.