من علامات انحطاط الامة وتفككها وبالتالي زوالها انتكاس فكرها، فالفكر هو الاساس الذي تقوم عليه حضارتها وتماسكها وتقدمها وازدهارها، فاذا تخلخل فكرها انتكس منطقها وانقلبت مفاهيمها حول مختلف القضايا وعاش الناس حياة بهيمية لا قيم فيها ولا هدفا ساميا لها وصار كل همهم اشباع غرائزهم والتنافس في المكاسب الدنيوية واللهاث اليومي خلفها على حساب اجل القيم الاجتماعية والعاطفية والاخلاقية التي يجب ان تحكم حياتهم وتعاملاتهم بالضبط كما يحدث حاليا في المجتمعات الغربية من الجري والتنافس المحموم من اجل المادة على حساب القيم الكبرى الكفيلة بتلاحم المجتمع وتكافله وتضامنه وتعاطفه.فالحب بين الناس الذي هو احد هذه القيم الكبرى لم يعد له وجود في عالم المادة لان الانسان اخذ يسعى لمصلحته دون اي اعتبار لمبدأ من المبادئ وواجب الواجبات الاجتماعية فإذا لا توجد مصحلة يرتجيها من الآخر فلا داعي لان يحبه او يتقرب اليه باي شكل من الاشكال فالزيارة في مفهومه من غير منفعة مادية مضيعة للوقت والصداقة بلا مصلحة لا قيمة لها والحب بلا غرض سذاجة وجهل والمساعدة بلا مردود مباشر خسارة.. الخ من المفاهيم المناقضة للمفهوم الاسلامي الذي تربينا عليه مصداقا لقول نبينا الكريم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر) وقوله صلى الله عليه وسلم: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا) الى غير ذلك مما يصور نموذج التكافل والمحبة والتعاطف بين المسلمين. فاذا اختفى الحب بيننا تفشت في حياتنا الامراض الاجتماعية كالحقد والحسد والتباغض والتناحر والتنافس المسعور الذي يحطم من اجله المنافس منافسه ويقضي عليه واذا انعدم التكافل الاجتماعي وسعى كل منا لمصلحته الذاتية تفشت بيننا روح الانانية وانعدمت الغيرية والروح الايثارية واذا انحل الترابط الاسري بدعوي المشاغل اليومية واللهث خلف الدنيا انحرفت الاسرة وتشرذمت وبالتالي تفكك المجتمع بأسره لانها نواته وقس على ذلك جميع المفاهيم في حياتنا اذا ما انتكست وليس بعد هذا الانحطاط سوى الفناء. جمهور اللحن مر ابو تمام ذات يوم بجارية وهي تغني بالفارسية فاستعذب لحن الاغنية وشجاه صوت المغنية واطربه اداؤها دون ان يفهم معاني كلمات الاغنية التي شدت بها تلك المغنية فقال: ولم افهم معانيها ولكن شجت كبدي ولم اقو شجاها فكنت كانني اعمى معنى يحب الغانيات ولا يراها وحال ابي تمام في هذا الموقف يشابه حال معظم جمهور الاغنية في هذه الايام الذي يتراقص طربا بلحنها الراقص دون فهم لمعانيها او دون الاكتراث بانحطاط معانيها ان كانت مفهومة اعجابا باللحن فصار مقياس نجاح الاغنية من عدمه هو اللحن ولاشيء غير ذلك.