لعل من البديهي أن نقول إن أول شروط الجمال هو التناغم والانسجام بين عناصر العمل الفني، فالأغنية لا تصبح جميلة إلا إذا تلاءم لحنها مع مضمون الشعر وآداء المغني، ولا يصح أن يكون اللحن في واد والكلمات في واد وإلا لأصبحت الأغنية نشازاً وضجيجاً بلا معنى. وللأسف أن هذا ما فعله الفنان رابح صقر في أغنيته الجديدة التي طرحها مؤخراً بعنوان "ما عاد تسأل". أول ما سيواجهك في هذه الأغنية التضارب بين معنى الكلام وبين لحنها الصاخب، فالقصيدة عبارة عن استجداء الشاعر لمحبوبه ورغبته في أن يفهم سبب جفائه، ومعنى كهذا لا يليق به أن يظهر بلحن راقص، لأن المجروح في حبه، المتوسل رضا المحبوب، الطالب لتجديد الوصال، والباحث عن سبب الجفاء والصد، لا يمكن أن يكون في حالة شعورية تسمح له بالتفاعل مع لحن راقص مثل الذي سمعناه في "ما عاد تسأل"، فهذا اللحن يقتضي السعادة والفرح بينما الكلمات تعبّر عن الضد تماماً. واللحن نفسه يعاني من خلل ذوقي رهيب، وإذا تجاوزنا عدم ملاءمته لمعنى القصيدة، فهو عبارة عن خليط غير متناسق من أصوات الآلات الموسيقية بلا هوية واضحة ولا معنى سوى أنه مصنوع ليكون صالحاً للرقص.. وفقط الرقص. مع هذه الأغنية التي بلا معنى ولا قيمة، يتجدد سؤال قديم جديد: إلى أين يتجه رابح صقر؟. فهو منذ العام 2002 وحتى اليوم ينحدر نحو الأسفل بسرعة محمومة، مقدماً عدداً من الأغاني التي لا تليق باسمه ومكانته في ساحة الأغنية السعودية. رابح الذي قدم رائعة "صابرين"، والألبوم الفخم "اكتب لها حرف" بأغانيه الجميلة "لا تسألوا من أحب" و"غريبة" و"وقف ووادعني"، وأغنيته الرائعة "واعدتني في صواديف الزمن"، لا يمكن أن يكون هو نفسه الذي قدم الأغنية الجديدة، السيئة، "ما عاد تسأل". رابح في الثمانينيات والتسعينيات كان مبدعاً باختيار ألحانه وكلمات أغانيه وآدائه المميز لها، لحن "صابرين" الذي صاغه إحسان عبدالعزيز كان هادئاً يسمح للمستمع بأن يطرب وأن يتنفس الموسيقى، وكذا أغنية "غريبة"، بل حتى أغنية "سرى الليل" ذات اللحن الراقص لا يمكن لك وأنت تقرأ كلماتها إلا وتقرّ بأنه ليس هناك لحن مناسب لها أكثر من هذا اللحن الراقص. فما الذي أصاب فناناً مبدعاً كهذا لينقلب رأساً على عقب ويرضى بتقديم أعمال سيئة بعد أن وصل لمرحلة النضج الفني التي يفترض أن تكون تتويجاً لتجربته الإبداعية؟. كيف يمكن الجمع بين أعماله الرائعة الأولى وأعماله الأخيرة؟. هل لمنطق السوق تأثير؟.