قال الكاتب عبد الرحمن بن عبيد السدر، إن ليلة القدر ليلة شرفها الله وعظمها فمن وَفقهُ الله فيها للعمل الصالح نال خيرها وسعد، ومن حُرِمَ خيرها فهو المحروم، قال تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ)، فهي ليلة عظيمة القدر من أعظم خصائصها أن الله أنزل فيها القرآن، وقيامِها والعملُ الصالحُ فيها خير من ألف شهر؛ أي أكثر من عبادة ثلاث وثمانين سنة، ومن شرفها أنها ليلة تنزل الملائكة والروح فيها وهو جبريل عليه السلام، فهي سلام مستمر حتى طلوع الفجر. وأكد السدر أن من قامها إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه؛ كما في الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه، أخرجه البخاري، برقم الحديث 2014، صفحة رقم (381)، ومسلم، برقم الحديث 760، صفحة رقم (299). مضيفا أنه لعظيم قدرها وشريف منزلتها، تحراها النبي صلى الله عليه وسلم في العشر الأواخر من رمضان، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعتكف في العشر الأوسط من رمضان، فاعتكف عامًا حتى إذا كانت ليلة إحدى وعشرين، وهي الليلة التي يخرج من صبيحتها من اعتكافه، قال: “من اعتكف معي، فليعتكف العشر الأواخر، فقد رأيت هذه الليلة ثم أُنسيتها، وقد رأيتني أسجد في ماء وطين من صبيحتها، فالتمسوها في العشر الأواخر، والتمسوها في كل وتر”، فمطرت السماء تلك الليلة، وكان المسجد على عريش، فوكف المسجد، فأبصرت عيناي رسول الله صلى الله عليه وسلم على وجهه أثر الماء والطين من صبح إحدى وعشرين، أخرجه البخاري، برقم الحديث 2027، صفحة رقم (383)، ومسلم، برقم الحديث 1167، صفحة رقم (453). وهي في السبع الأواخر من رمضان أرجى، ففي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما أنّ رجالاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أروا ليلة القدر في المنام في السّبع الأواخر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أَرَى رُؤيّاكُمْ قَدْ تَوَاطأت في السبَع الأواخرِ، فَمَنْ كَانَ مُتَحَرّيها فَلْيَتَحَرَها فِي السّبع الأواخر)، أخرجه البخاري، برقم الحديث 2015، صفحة رقم (381)، ومسلم، برقم الحديث 1167، صفحة رقم (453). وهي في الأوتار آكد وقد تكون في الأشفاع كما تكونَ في الأوتار، وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الْتَمِسُوها في العشر الأواخر مِنْ رَمَضَانَ لَيْلَة القدر، في تَاسِعَةِ تبقى، في سَابعَةِ تُبْقَى، في خامِسَةِ تَبقى)، أخرجه البخاري، برقم الحديث 2021، صفحة رقم (382)، وفي رواية: (هي في العشر الأواخر، هي في تسع يمضين: أو في سبع يبقين)، أخرجه البخاري، برقم الحديث 2022، صفحة رقم (382). ولم يثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم دليل صحيح صريح في تحديد ليلة القدر، وإنما أرجاهن ليلة سبع وعشرين، وأخفيت والله تعالى أجل وأعلم كي يجتهد العبد في طلبها طيلت هذه الليالي الشريفة. واستغلال ليلة القدر إنما هو بالصلاة، والدعاء، والمسألة، وتلاوة القرآن، والصدقة، ووجوه الخير كثيرة يصعب حصرها، والموفق من قبل منه. عن عائشة رضي الله عنها، قَالَتْ : قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إنْ عَلِمتُ أيّ لَيْلَةٍ لَيْلَهُ القَدْر فمَا أقول فيها ؟ قَالَ : قُولي : اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوَ تُحِبُ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنّي. صححه الألباني برقم الحديث 3513، كما في سنن الترمذي، صفحة رقم (798). فليلة القدر من أفضل ليالي العام، وسميت بذلك لعظم قدرها عند الله، ولأنه يقدر فيها ما يكون في تلك السنة، ولأن الطاعات فيها لها قدراً عظيماً، قال ابن كثير في تفسير قوله ” تنزل الملائكة ” أي يكثر تنزل الملائكة في هذه الليلة لكثر بركتها، والملائكة ينزلون مع تنزل البركة والرحمة.