- عن عائشة "أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل العشر الأواخر أحيا الليل وأيقظ أهله وشد المئزر". متفق عليه البخاري 2024 ومسلم 1174. ولأحمد 6/41 ومسلم: "كان يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيرها". قوله: "أحيا الليل" فيه استعارة الإحياء للاستيقاظ أي سهره فأحياه بالطاعة، وأحيا نفسه بسهره فيه لأن النوم أخو الموت. قوله: "وأيقظ أهله" أي للصلاة، وفي الترمذي عن أم سلمة: "لم يكن صلى الله عليه وسلم اذا بقي من رمضان عشرة أيام يَدَع أحداً من أهله يطيق القيام إلا أقامه". قوله: "وشد المئزر" أي اعتزل النساء كما رواه عبدالرزاق عن الثوري، وابن أي شيبة عن أبي بكر بن عياش، وحكي في الفتح عن الخطابي: أنه يحتمل ان يراد به الجد في العبادة. والحديث فيه دليل على مشروعية الحرص على مداومة القيام في العشر الأواخر من رمضان وإحيائها بالعبادة واعتزال النساء، وأمر الأهل بالاستكثار من الطاعة فيها. - وعن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من قام ليلة القدر ايماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه" رواه الجماعة إلا ابن ماجه. - وعن عائشة قالت: "قلت: يا رسول الله أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر ما أقول فيها؟ قال قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعفُ عني". رواه الترمذي 3513 وصححه، وأحمد 6/171 وابن ماجه 3850، وقالا فيه: "أرأيت ان وافقت ليلة القدر". الحديث الأول قد تقدم مع شرحه في باب صلاة التراويح، وأورده المصنف ههنا للاستدلال به على مشروعية قيام ليلة القدر. والحديث الثاني صححه الترمذي كما ذكر المصنف، وفيه دليل على امكان معرفة ليلة القدر وبقائها. ... قوله: "ليلة القدر" اختلف في المراد بالقدر الذي أضيفت اليه الليلة فقيل: هو التعظيم لقوله تعالى: ]وما قدروا الله حق قدره[ الأنعام: 91 والمعنى: أنها ذات قدر لنزول القرآن فيها، أو لما يقع فيها من نزول الملائكة، أو لما ينزل فيها من البركة والرحمة والمغفرة أو ان الذي يحييها يصير ذا قدر، وقيل: القدر هنا: التضييق لقوله تعالى: ]ومن قدر عليه رزقه ومعنى التضييق فيها اخفاؤها عن العلم بتعيينها. وقيل: القدر هنا بمعنى القدر - بفتح الدال -: الذي هو موافي القضاء. والمعنى أنه يقدر فيها أحكام تلك السنة لقوله تعالى: ]فيها يفرق كل أمر حكيم[ الدخان: 4 وبه صدر النووي كلامه فقال: قال العلماء: سمعت ليلة القدر لما تكتب فيها الملائكة من الأقدار لقوله تعالى: فيها يفرق الآية الدخان:4. ورواه عبدالرزاق وغيره من المفسرين بأسانيد صحيحة عن مجاهد وعكرمة وقتادة وغيرهم. وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كان متحريها فليتحرها ليلة سبع وعشرين، أو قال: تحروّها ليلة سبع وعشرين يعني ليلة القدر". رواه أحمد 2/27 باسناد صحيح. وعن ابن عباس: "أن رجلاً أتى نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبيَّ الله اني شيخ كبير عليل يشق عليَّ القيام، فأمرني بليلة لعل الله يوقفني فيها لليلة القدر فقال: عليك بالسابعة". رواه أحمد 1/240. وعن معاوية بن أبي سفيان عن النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة القدر قال: ليلة سبع وعشرين". رواه أبو داود 1386. وعن زر بن حبيش قال: "سمعت أُبي بن كعب يقول: وقيل له ان عبدالله بن مسعود يقول: من قام السنّة أصاب ليلة القدر، فقال أُبي: والله الذي لا إله الا هو انها لفي رمضان - يحلف ما يستثني -، ووالله اني لأعلم أي ليلة هي، هي الليلة التي أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيامها هي ليلة سبع وعشرين، وأمارتها ان تطلع الشمس في صبيحة يومها بيضاء لا شعاع لها". رواه احمد 5/130-131 ومسلم 762 وأبو داود 1378 والترمذي 3351 وصححه. وفي الباب عن جابر بن سمرة عند الطبراني في الأوسط بنحو حديث ابن عمر. وعن ابن مسعود عند الطبراني قال: سئل رسُول الله صلى الله عليه وسلم عن ليلة القدر فقال: "أيكم يذكر ليلة الصهبا؟ قلت: أنا. وذلك ليلة سبع وعشرين". ورواه ابن أبي شيبة عن عمر وحذيفة وناس من الصحابة. وروى عبدالرزاق عن ابن عباس قال: "دعا عمر أصحاب رسوله الله صلى الله عليه وسلم وسألهم عن ليلة القدر فأجمعوا على أنها في العشر الأواخر، قال ابن عباس: فقلت لعمر: إني لأعلم أو اظن أي ليلة هي، قال عمر: أي ليلة هي؟ فقلت: سابعة تمضي أو سابعة تبقى من العشر الأواخر، فقال: من أين علمت ذلك؟ فقلت: خلق الله سبع سموات وسبع أرضين وسبعة أيام، والدهر يدور في سبع، والانسان خلق من سبع ويأكل من سبع، ويسجد على سبع، والطواف والجمار وأشياء ذكرها، فقال عمر: لقد فطنت لأمرٍ ما فطنا له". وقد أخرج نحو هذه القصة الحاكم، والى ان ليلة القدر ليلة السابع والعشرين، ذهب جماعة من أهل العلم، وقد حكاه صاحب الحلية من الشافعية عن أكثر العلماء. وعن أبي سعيد: "ان النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف العشر الأول من رمضان، ثم اعتكف العشر الأوسط في قبة تركية على سدتها حصير، فأخذ الحصير بيده فنحاها في ناحية القبة ثم اطلع رأسه فكلم الناس فدنوا منه فقال: إني اعتكفت العشر الأول ألتمس هذه الليلة، ثم اعتكفت العشر الأوسط، ثم أتيت فقيل لي: انها في العشر الأواخر، فمن أحب منكم ان يعتكف فليعتكف، فاعتكف الناس معه قال: واني أُرِيتها ليلة وِتْرٍ، واني اسجد في صبيحتها في طين وماء، فاصبح من ليلة احدى وعشرين، وقد قام الى الصبح فمطرت السماء فوكف المسجد فأبصرت الطين والماء، فخرج حين فرغ من صلاة الصبح وجبينه وروثةُ أنفه فيها الطين والماء، واذا هي ليلة احدى وعشرين من العشر الأواخر" متفق عليه البخاري 669 ومسلم 1167 216، لكن لم يذكر في البخاري اعتكاف العشر الأول. وعن عبدالله بن أنيس: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: رأيت ليلة القدر ثم انسيتها وأراني أسجد صبيحتها في ماء وطين، قال: فمطرنا في ليلة ثلاث وعشرين فصلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وانصرف وان أثر الماء والطين على جبهته وأنفه". رواه احمد 3/495 ومسلم 1168 وزاد: وكان عبدالله بن أنيس يقول ثلاث وعشرين. وعن أبي بكرة: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "التمسوها في تسع بقين، أو سبع بقين أو خمس بقين، أو ثلاث بقين، أو آخر ليلةٍ، قال: وكان أبو بكرة يصلي في العشرين من رمضان صلاته في سائر السنة، فإذا دخل العشر اجتهد". رواه أحمد 5/36 والترمذي 794 وصححه. والحديث يدل على ان ليلة القدر ترجى مصادفتها لتسع ليال بقين من الشهر أو سبع أو خمس أو ثلاث أو آخر ليلة وهو أحد الأقوال المتقدمة. قال الترمذي في جامعة: وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة القدر انها ليلة احدى وعشرين، وليلة ثلاث وعشرين وخمس وعشرين، وسبع وعشرين، وتسع وعشرين، وآخر ليلة من رمضان، قال: قال الشافعي: كان هذا عندي والله أعلم ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يجيب على نحو ما يسأل عنه، يقال له: نلتمسها في ليلة كذا؟ فيقول: "التمسوها في ليلة كذا". قال الشافعي: وأقوى الروايات عندي فيها ليلة احدى وعشرين انتهى. وعن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "التمسوها في العشر الأواخر من رمضان ليلة القدر في تاسعة تبقى، في سابعةٍ تبقى، في خامسة تبقى". رواه احمد 1/231 والبخاري 2021 وأبو داود 1381. وفي رواية: قال رسول الله: "هي في العشر في سبع يمضين، أو في تسع يبقين، يعني ليلة القدر". رواه البخاري. وعن ابن عمر: "ان رجالاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر، فمن كان متحرياً فليتحرها في السبع الأواخر" أخرجاه البخاري 2015 ومسلم 1165 205و206. ولمسلم قال: "أري رجل ان ليلة القدر ليلة سبع وعشرين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم أرى رؤياكم في العشر الأواخر فاطلبوها في الوتر منها". وعن عائشة: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان". رواه مسلم 1169 والبخاري 2020. وقال: "في الوتر من العشر الأواخر". وفي حديث عائشة دليل على أن ليلة القدر في أوتار العشر الأواخر، وقد تقدم انه القول الراجح. قال الطبري: في اخفاء ليلة القدر دليل على كذب من زعم انه يظهر في تلك الليلة للعيون ما لا يظهر في سائر السنة، اذ لو كان حقاً لم يخف على كل من قام ليالي السنة فضلاً عن ليالي رمضان، وتعقبه ابن المنير بأنه لا ينبغي اطلاق القول بالتكذيب لذلك، بل يجوز ان يكون ذلك على سبيل الكرامة لمن شاء الله من عباده، فيختص بها قوم دون قوم، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يحصر العلامة ولم ينف الكرامة، قال: ومع ذلك فلا يعتقد ان ليلة القدر لا ينالها الا من رأى الخوارق، بل فضل الله تعالى واسع، ورب قائم تلك الليلة لم يحصل منها إلا على العبادة من غير رؤية خارق، وآخر رأى الخوارق من غير عبادة، والذي حصل على العبادة أفضل، والعبرة انما هي بالاستقامة بخلاف الخارق فقد يقع كرامة وقد يقع فتنة. وقيل: ان المطلع على ليلة القدر يرى كل شيء ساجداً، وقيل: يرى الأنوار ساطعة في كل مكان حتى في المواضع المظلمة، وقيل: يسمع سلاماً أو خطاباً من الملائكة، وقيل: من علاماتها استجابة دعاء من وفق لها. * نيل الأوطار، للامام الشوكاني توفي 1250 ه، مقاطع من كتاب الاعتكاف ص896 -902، اصدار دار ابن حزم، ودار الوراق للنشر والتوزيع. بيروت، الطبعة الأولى 1421ه - 2000 م.