قد يستغرب البعض لماذا توشح العالم العربي بالسواد، ولماذا انتفض المواطنون العرب عقب نبأ الوفاة، ولماذا خلَّف الخبر وراءه صدمة حزن عارمة، ولماذا رحيله حرّك أشجان مختلفي الأديان والأطياف والاهتمامات والثقافات والألوان والأعراق، واشتركوا جميعا في الوداع الأخير مالم يشتركوا في وداع مسؤول مهما كانت درجته أو مكانته؟؟؟ عبدالحسين عبدالرضا "إنسان"، لا يختلف عليه اثنان، ولن آتي بجديد، لكنها استباطات لما قال عنه أقرانه، فأبو عدنان صاحب قلب كبير يحتوي الجميع، ليس في الوسط الفني وحسب بل وحتى في محيطه وخارجه، فهو إنسان غير عادي، بل وشخص استثنائي كما قالت عنه رفيقة دربه الفني في بدايات العصر الجميل "عصر الثنائيات" القديرة "سعاد عبدالله"، فأبو عدنان وعلى المستوى الشخصي لا يحمل في داخله غل أو حقد أو كره للآخرين وإن أخطأوا بحقه "لأنه إنسان"، بل كان متسامحا، وبلا مبالغة فهو لا يغمض له جفن حتى ينهي كل شيء، وليس فيما يخصه وحسب، بل وحتى بين زملائه، يصلح ذات البين ولا يرضى بغير ذلك، فهو مضرب المثل في الأب والأخ والصديق والقريب الذي يحتوي الكل ويأخذ بخاطر الجُل، ويده ممدودة بالخير والعون لمن حوله، "لأنه إنسان". أبو عدنان ظاهرة فريدة، فنان يحمل في داخله رسالة مواطن سامية، ويقدمها بكل بساطة وعفوية، "أن الكويت محبة" وهي بلد الكل وتَسَعُ الجميع، وكان يؤكد دوماً على التضامن والتعاضد داخل هذا الوطن، بل وتعدى حدوده، وهو أن يكون خليجنا واحد. كان كلمته ورأيه محل ثقة، فكل متابع للأحداث السياسية المحيطة، وحتى الإجتماعية منها ومجرياتهما خلال عقود فنه، ينتظرون ماذا سيقدم وماذا سيقول "أبوعدنان"، لأنه "الإنسان" منهم وإليهم، فعبدالحسين كان مذهبه الإلتزام بالمسؤولية تجاه قضايا مجتمعه، والموضوعية في اختياراته، واحترام الوقت. العملاق هو تاريخ، يُمثل حقبة الفن الكويتي، ونعني بذلك الحركة المسرحية، حيث إن جميع الفنانين الكويتيين يؤرَّخون بتاريخه، فهم نبتوا تحت ظله، وهذا يتفق عليه كل فناني جيل الرعيل الأول، بل وإن تاريخه الفني وعطاءه والاستفادة منه تجاوز وطنه ليشمل الوطن العربي وبلا مبالغة، لأنه فنان شامل على مستوى الكتابة والسيناريست واللحن والأغنية. عبدالحسين عبدالرضا، إنسان متفائل ومحب للحياة، سعيد ومبتسم دائماً، بل إن الضحكة على محياه هي ميثاقه، وهذه الضحكة جسّدها في كل أعماله التي صالت وجالت أصقاع العالم العربي، فهو فنان شاهدته كل الأجيال بلا استثناء، واستأنست به وارتضته واستساغته، لأنه وبِطلَّته على الشاشة أو المسرح "رقم صعب"، لا يتصنع ولا يتكلف، بل لم يكن بعيداً عن تفكير الاجيال واهتماماتهم، بل وإن خرج عن النص أحياناً، فهو يخرج في الوقت المناسب، وهو موقن أن خروجه له دلالة أو رمزية ينتشي بها الجمهور، لأنه صاحب نكته بالفطرة، فحق أن يقال عنه "مُسعِد ومُبهج ملايين البشر من الأمة العربية" خلال 50 عاما. الكبير عبدالحسين عبدالرضا لن ينساه التاريخ، حتى وإن حرَّفَ المتشددون اسمه، وإن ألم الفقد سيبقى طويلاً في خلد جيله العظماء ومحبيه الأوفياء. "رحمك الله يا اسطورة الفن العربي".