الأطفال مستقبل الأمة وحملة إرثها وهويتها وحاضرها الذي يعكس درجة تقدمها ومكانتها بين الأمم ، والثقافة بمفهومها الشمولي أسلوب الحياة السائد في أي مجتمع ويشمل عقيدته وقيمه الروحية والعقلية وعاداته وتقاليده واتجاهاته وسلوكياته وأدواته ومنجزاته الفكرية والفنية. وثقافة الطفل تحديداً أحد أهم الثقافات الفرعية لأي مجتمع إن لم تكن أهمها على وجه الإطلاق لتفردها بمجموعة من الخصائص والسمات العامة باعتبارها اللبنة الأولى في بناء الشخصية من جميع الجوانب . وثقافة الطفل السعودي غائبة كلية عن المؤسسات التربوية المختصة والمؤسسات الأخرى ذات العلاقة والمسؤولية المباشرة عنها. ونعني بها المواد الثقافية التي يتم توفيرها للطفل السعودي منذ نشأته حول تاريخ وقيم وعادات وثقافات وتقاليد مجتمعه والمجتمعات الأخرى في صور عديدة كالكتاب والقصة والحكاية والمسرح والتلفزيون والمعارض والمهرجانات وبأدوات متنوعة تقليدية وإلكترونية . ويعزى ذلك إلى عوامل عديدة منها غياب الوعي الأُسري والمجتمعي بأهمية هذه الثقافة في تكوين الشخصية الواعية ونمط وطبيعة التعليم والتعلم القائم على التركيز المنهجي الصرف وتجاهل وزارة الثقافة والإعلام لدورها الهام في هذا الجانب وثورة المعلومات والاتصالات بمكوناتها ووسائلها الحديثة والمتجددة وما أحدثته من عزلة للفرد وتوفير عوالم افتراضية متنوعة يطغى عليها عناصر الجذب الترفيهي أكثر من غيرها . والحقيقة أن أهم مؤسسة في بناء ثقافة الطفل هي الأسرة لقضاء معظم أوقات الأطفال داخل أسرهم ، ويتوقف نمو الطفل الثقافي على ثقافة الأسرة وبالذات أحدالوالدين أو كلاهما ونمط تربيتهما وطبيعة الحياة داخل الأسرة وعاداتها وتقاليدها اليومية ونمط العلاقة بين الوالدين وأساليب الحوار وغزارة التوجيهات التربوية والتحكم في وسائل الترفيه وتقنينها والرقابة على استخدامها . وتعاني كثير من الأسر السعودية من إنعدام الدعم المجتمعي والمؤسسي الرسمي ذو العلاقة بثقافة الطفل والبرامج التي يمكن أن تساعد الأسرة على النجاح في أدوارها التربوية على وجه العموم ودورها الهام جداً في ثقافة الطفل والارتقاء بقدراته وإمكاناته ومهاراته الحياتية . وعلى سبيل المثال : مالذي تقدمه وزارة الثقافة والإعلام عبر وسائلها المتعددة بشكل مباشر للأسرة السعودية في مجال تثقيف الطفل ؟ وما الذي تقدمه الجامعات وكليات التربية خاصة في دعم الأسرة السعودية بالبرامج التربوية ذات العلاقة بثقافة الطفل ؟ وما الذي تقدمه الجمعيات والأندية الأدبية حيال ثقافة الطفل السعودي ؟ وما الذي يقدمه المسجد تجاه تثقيف الطفل ورعايته الروحية والنفسية ؟ وما الذي تقدمه مدارس التعليم العام ودور الحضانات في بناء ثقافة الطفل ؟ إن المتأمل في واقع ثقافة الطفل السعودي يدرك أن ما تقدمه المؤسسات على كثرتها لا يساوي شيئاً ودليل ذلك ضعف وهشاشة المستوى الثقافي للطفل إلى درجة مؤلمة في أبجديات تاريخنا وحضارتنا الإسلامية وحاضرنا الوطني . إننا بحاجة إلى ثورة ثقافية إن جاز التعبير لانتشال الطفل السعودي من عزلته المعاصرة بأساليب تربوية حديثة والعمل على تطوير المؤسسات التربوية وخصوصاً الأسرة وتفعيل الاستراتيجية الوطنية للطفولة بمعاونة بعض بيوت الخبرة المحلية والدولية. والتوجه نحو إنشاء هيئة وطنية عليا للطفولة تعنى بالدرجة الأولى بثقافة الطفل السعودي وتنسيق جهود المؤسسات التربوية وتعزيز أدوارها ودعم أنشطتها وفعاليتها وفق رؤية واضحة المعالم تنسجم مع التوجهات الوطنية المعاصرة ومع رؤية 2030 لنستثمر أهم ثرواتنا الوطنية ونحافظ عليها بما يحقق الإزدهار والرخاء الدائم لوطننا الكبير وقيادتنا الرشيدة .