يقصد "بالمؤسسة الاجتماعية" هي كل تجمّع اجتماعي اقتصادي منتج؛ يخضع لإشراف الدولة أو أحد قطاعاتها، حيث يضم ذلك التجمّع جهازا بشريا متخصص الوظائف؛ ومتعدد الأعمار والفئات والطبقات الاجتماعية؛ إضافةً إلى إمكانات اقتصادية ومتطلبات مادية وإدارة ناجحة، وإشراف دقيق على مفاصل العمل والإنتاج، حيث يتنوع دور المؤسسات الاجتماعية بصورة كبيرة ويبرز في مجالات كثيرة أهمها مجال التنشئة الاجتماعية. ولكن السؤال الذي يفرض نفسه: هل تخلت هذه المؤسسات عن دورها في دعم الأسرة وتهيئتها من خلال الدورات والأنشطة الاجتماعية؟، بحثاً عن الإجابة، استنطقنا بعض المختصين فكانت أراؤهم.. أدوار مقبولة يقول "د.عبد الرحمن الشلاش" كاتب في "صحيفة الوطن": إن المؤسسات الاجتماعية تهدف إلى تطوير المجتمع وحل مشكلاته والمساهمة في التخفيف من حجم الضغوط والمتاعب التي تتعرض لها الأسر؛ مثل تلك المؤسسات المعنية بتقديم المساعدات للفقراء وكبار السن وتربية الأيتام ومجهولي الأبوين والتأهيل الاجتماعي؛ وهي في مثل تلك المجالات تقدم أدواراً مقبولة تحتاج إلى زيادة، حيث يقتصر دورها التربوي في رعاية الأيتام، أما المؤسسات التي تسهم في مساعدة الأسر في التربية؛ فقد نجد دوراً محدوداً للإعلام ودوراً ناقصاً لمؤسسات التعليم في المجتمع؛ وهي أدوار لازالت ضعيفة وتحتاج إلى تعزيز؛ من خلال زيادة دور رعاية الأحداث ونشرها في كافة مناطق المملكة. وأضاف: إن إعادة دور الأسرة التربوي لا يأتي اعتباطاً؛ وإنما يحتاج إلى بناء إستراتيجية شاملة طويلة المدى؛ تشارك فيها الجامعات ووزارة التربية ووزارة الشئون الاجتماعية وكذلك وزارة الإعلام؛ وتعتمد على تثقيف المجتمع ببعض مخاطر المرحلة الراهنة والجوانب السلبية التي أفرزتها العولمة؛ والتوجيه للاستفادة من الجوانب الايجابية. أقل من المطلوب ويرى "د.الشلاش" أن الجهود المبذولة من المؤسسات الاجتماعية في إطار النهوض بمستوى الأسر اقتصادياً وتربوياً أقل بكثير من المطلوب؛ ويعود ذلك لأسباب كثيرة لعل من أهمها ضعف الموزونات المرصودة؛ وقلة الدور مقارنة بكثرة المدن والقرى والتزايد الهائل والمستمر في عدد السكان، إلى جانب الغموض الذي يحيط بتحديد دورها بدقة، ولعل أبرز الجهود التي تقدمها ينحصر غالباً في ما تقدمه مؤسسات الضمان الاجتماعي من إعانات ورعاية الأيتام من قبل الدور والأحداث المحولين من الجهات الأمنية. أساس تربوي متين ويؤكد "د.سليمان العقيل" أستاذ علم الاجتماع في جامعة الملك سعود، أن المجتمعات قُومت على أساس تربوي متين مستمد من الجذور التاريخية والدينية والاجتماعية والعاطفية والبيئة الجغرافية للمجتمع؛ لأن هذه الأسس ذات فاعلية مع مكونات الشخصية؛ من آمال وطموحات ورؤى ومقومات لها عبر الزمن، مضيفاً أن المحتوى الاجتماعي للتربية والتنشئة الاجتماعية يصاب ببعض الاختلال الذي يؤثر في محتوى التربية والتنشئة؛ وكذلك في أدواتها ومقاييسها ومناهجها وتنظيماتها، لذلك تعمد المجتمعات بشكل دائم على مراجعة المحتوى التربوي والاجتماعي؛ وتقوم بتحديثه وفق المعطيات الأساسية للمجتمع وليس وفق المستجدات لتسايرها؛ لأن هذه المسايرات سوف تخرج التربية والتنشئة الاجتماعية من إطارها المعتمد على الأسس السابقة والتي تضرب في عمق التاريخ، لتجد نفسها بدون سند اجتماعي أو ديني أو بيئي، وفي نهاية المطاف تفقد الهوية والانتماء، ويعيش المجتمع على هامش المجتمعات بمعطياتها وما تتفضل به من خبرات زائدة فوق حاجتها. لا يوجد من "يُفلتر" وأوضح "د.العقيل" أن المجتمع السعودي بدأت فيه الكثير من التغيرات في مختلف جوانبه، وهذه التغيرات أضعفت قدرة الأسرة على القيام بأعبائها؛ وكذلك العائلة والقبيلة والمجتمع المحلي، حيث بدأ مختلطاً بالكثير من الفئات الاجتماعية الوطنية والوافدة العربية وغير العربية، وانفتح المجتمع على المجتمعات الأخرى وبدأ الكثير من الأفكار والآراء والاتجاهات ترد إليه، وفي المقابل لا يوجد من "يُؤدلج" أو "يُفلتر" أو يعالج هذه المدخلات، وبهذا ضُعف دور الأسرة والجماعات المحلية الضابطة، وبدأت وكأن المجتمع في طفولته وشبابه أشبه بالفوضى غير المنظمة، مشيراً إلى اعتماد الأسرة على مؤسسات المجتمع الرسمية وغير الرسمية في إدارة الأزمة، وفي المقابل بدأت هذه المؤسسات تشكو من الضعف والترهل وكثرة القوانين والضوابط والتعليمات، بل في ضعف المعلم والمربي وقصر نظرته وانخفاض حماسه، ثم احتاج المجتمع إلى مؤسسات أخرى بديلة يمكن أن تقوم بالدور الذي فقدته الأسرة والمدرسة، وهذه المؤسسات يجب أن تكون مستقلة تعيد صياغة الشخصية الوطنية، وتكون أكثر فاعلية وأكثر حرصاً وحباً للدين والوطن وقيادته، مطالباً أن تكون هذه المؤسسات تحت إشراف مباشر من الدولة ومن المجتمع، وبذا يمكن أن نعيد صياغة جيلنا ونكون وفق ما جاء في النظام الأساسي للحكم؛ من وجود بيئة اجتماعية صالحة خالية من الانحرافات بأشكالها وأنواعها ومن التطرف في أجنبته. ارتفاع حالات الطلاق ويقول"د.منصور العسكر" أستاذ علم الاجتماع المشارك في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وعضو مجلس الإدارة بالجمعية السعودية لعلم الاجتماع والخدمة الاجتماعية، إن الدراسات والإحصاءات الرسمية في دول الخليج تشير إلى ارتفاع حالات الطلاق وزيادة حالات "العنوسة" لدى الشابات والشباب؛ الأمر الذي جعل المجتمع يوجد القنوات الرسمية والتطوعية لعلاج هذه الظواهر وغيرها، ومن هذه المؤسسات جمعيات الزواج؛ حيث يبلغ عددها أكثر من أربعين فرعاً موزعين على مدن ومناطق المملكة؛ وهي جمعيات خيرية تعين الشباب على الزواج وتقوم بأعمال اجتماعية تساهم في تلبية حاجات الأسرة؛ والمتمثل في تقديم الإعانات المالية والقروض الحسنة؛ حيث تساعد في التخفيف من تكاليف الزواج، وإقامة الدورات التدريبية في العلاقات الزوجية من أجل قيام الأسرة السعودية على أسس سليمة، إلى جانب إنشاء وحدة للإرشاد الأسري تعنى بتقديم الاستشارات سواء عن طريق المقابلات الجماعية مع الأسرة أو عن طريق هاتف الاستشارات الأسرية، مضيفاً أنه يوجد وحدة تعنى بالتوفيق بين راغبي الزواج لتيسير سبل التعارف بين الزوجين، كذلك وجود مركز للدراسات الأسرية يساهم في توجيه الشباب على قيام الأسرة على أسس علمية، ولتتعرف على المشكلات التي من الممكن أن تعاني منها، مما يساعد في تقديم الحلول العلمية الناجعة لها. تكوين الأسرة وأوضح "د.العسكر" أن المؤسسات الاجتماعية الخاصة في قضايا الأسرة بالمملكة؛ تقوم بدور اجتماعي في الشئون الأسرية؛ وتقوم كذلك بأعمال اجتماعية تساهم في تكوين الأسر على أسس سليمة؛ من أجل النهوض بالمجتمع والتخفيف من المشكلات الاجتماعية مثل التفكك الأسري والطلاق والعنوسة، مقترحاً تطوير المؤسسات الأسرية وأنها مطالبة باكتشاف الحلول العملية التي تساهم في القضاء على زيادة تكاليف الزواج في المجتمع، كما أنها مطالبة باكتشاف أساليب علمية جديدة تتوافق مع الدين الإسلامي وعاداتنا الأصيلة في كيفية الاختيار الزوجي، وفي تقديم الخدمات والإعانات للمقبلين على الزواج لجميع فئات المجتمع الذكور والإناث وطبقاته، مشيراً إلى أن المستفيدين من خدمات المؤسسات الاجتماعية مطالبين بمد يد العون للجمعيات كل حسب طاقته وإمكاناته سواء البدنية أو الفكرية أو حتى المالية، مما يزيد من فاعلية وتطوير هذه المؤسسات. غياب المؤسسات ويقول "د.إبراهيم الزبن" رئيس قسم علم الاجتماع والخدمة الاجتماعية بجامعة الإمام محمد بن سعود: إن المجتمع السعودي يمر بالعديد من التحولات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، والتي أدت إلى تعرض النظام الأسري في المجتمع للعديد من التغيرات؛ من أهمها تغير حجم الأسرة ووظائفها وأدوار أفرادها، وفي ظل هذا التغير كان لا بد للمؤسسات الاجتماعية الأخرى في المجتمع أن تؤدي بعض الأدوار التي تخلت عنها الأسرة؛ ومن أهم هذه المؤسسات الاجتماعية الداعمة لدور الأسرة الاجتماعي والتربوي؛ المدرسة ووسائل الإعلام المقروء والمسموع والمشاهد، بالإضافة إلى المسجد باعتباره أهم المؤسسات الدينية في المجتمع السعودي، وعليه فان أي خلل في ممارسة هذه المؤسسات المجتمعية لدورها المجتمعي نحو الأبناء؛ يقلل من أهميتها كمؤسسات يفترض أن تكون داعمة للأسرة في المجتمع السعودي في توجيه وضبط سلوك أبنائها، فمن خلال تتبع واقع هذه المؤسسات يلاحظ بشكل عام غيابها أو تغييبها عن ممارسة هذه الأدوار. وسائل الإعلام وأضاف "د.الزبن" أن من أهم العوامل التي حالت دون ذلك؛ عدم استشعار القائمين على هذه المؤسسات المجتمعية لأهمية دورهم التربوي والمجتمعي؛ ومنها أيضاً عدم وجود الآليات المناسبة لدى هذه المؤسسات المجتمعية لتوجيه سلوك الأبناء في الأسر، إلى جانب نوعية البرامج التعليمية التي تقدمها المؤسسات التعليمية، والتي يغلب عليها الأساليب التقليدية في التعليم والتوجيه وعدم العناية بالمشكلات الاجتماعية والسلوكية والتربوية في المدرسة والمنزل والحي، مشيراً إلى أن من أهم العوامل التي أسهمت في تغييب دور المؤسسات المجتمعية نحو تدعيم الأسرة، هو ضعف دور وسائل الإعلام التي في الغالب تمتد تأثيراتها على الحياة الأسرية للأبناء بشكل مباشر، حيث يلاحظ بشكل عام عدم عناية وسائل الإعلام بنوعية المواد الإعلامية التي تقدمها للأطفال والمراهقين؛ والتي يغلب عليها الجانب الترفيهي ويغيب عنها بشكل واضح الدور التربوي والتثقيفي، بالإضافة إلى عدم الاهتمام بالتأثير السلبي لهذه المواد الإعلامية على سلوك الأبناء من خلال ما تبثه عبر قنواتها المختلفة، موضحاً أن القصور في دور المسجد والذي يمثل المؤسسة الدينية في المجتمع، يتمثل في أن جل اهتمامه ونشاطه موجهاً نحو الإسهام في التثقيف الديني في أمور العبادات، بينما كان يفترض به أن يهتم بتدعيم جوانب الضبط الذاتي لدى الأطفال والمراهقين ومساعدة الأسرة في حماية أبنائها من الانحراف الفكري والسلوكي. تعليم غير مباشر وشدد "د.الزبن" أن من المهام الأساسية لوسائل الإعلام لدعم الأسرة في تربية أبنائها؛ هو تعزيز السلوكيات الايجابية وتعديل السلوكيات السلبية لتحقيق التوافق مع التطورات المستحدثة؛ أي أنها تساعد على التعليم غير المباشر. وقال: لكي نعيد للأسرة دورها الأساسي في حياتنا الاجتماعية، ينبغي أن تؤدي دوراً حيوياً في تنشئة أبنائها عن طريق تلقينهم القيم الدينية والمبادئ السلوكية السليمة، وكذلك تعويدهم على احترام الأنظمة والقوانين بعد أن يتفهموا معناها الاجتماعي والتنظيمي، وهذه التنشئة الاجتماعية السليمة توجِد لدى الجيل مناعة دينية واجتماعية تحصنهم تجاه العوامل السلبية التي يمكن أن تؤثر في سلوكهم، كما ينبغي التأكيد على دور الأسرة في القيام بمتابعة ومراقبة أبنائها حتى لا ينجرفوا خلف السلوكيات السلبية المضادة للمجتمع وخاصةً في ظل المستجدات والتقنيات الحديثة في مجالات الحياة المختلفة، ولابد أن تهتم الأسرة بالتعاون المشترك مع مؤسسات المجتمع المختلفة في مراقبة وتوجيه وتنشئة أبنائها، من خلال الاستفادة من إمكانيات المؤسسات الدينية والتربوية والإعلامية. الرياض