تعرفت على أحد المثقفين المناضلين بالقلم.. سعدنا بالتعارف كثيرًا بسبب أن عندنا نقاط التقاء متعددة وجوهرية.. قلت: حدثني عن أهم تلك النقاط الجوهرية. قال: أهمها أنه مرت بنا مرحلة خطيرة في حياتنا من التشدد والتزمت، وصل بعضها لحالة تطرف، ولقد بلغنا شأوًا من العلم الشرعي والحفظ والخطابة، لكنها كانت مشوبة بالتنطع البغيض والغلو المفرط، غير أن الله منّ علينا بالهداية والتوبة والإنابة من هذا الطريق الظلامي. ويضيف؛ على أننا لم نلتق سابقًا إلا أننا عشنا توجها متشابها إلى حد ما ثم إننا مارسنا حملة قوية ضد هذا التوجه الذي عشناه سلفًا بكل حذافيره. قلت: كيف مارستم هذه الحملة وما هي أدواتكم؟ قال: مارسناها في مجالسنا الخاصة وفي الإعلام ثم في وسائل التواصل الاجتماعي مؤخرًا. كان العامل المؤثر في تلك الحملة هي كمية المعرفة الجيدة التي نحملها من حيث العلم الشرعي والتجربة الواسعة في هذا المضمار، وأهم هذه التجارب هي الإنتماء السابق للجماعات الإسلامية ووصولنا لدرجة مؤثرة في بعض تلك التنظيمات الأمر الذي يجعلنا متمكنين أمام الآخر في التعبئة ضدهم. قلت: وماذا بعد؟ قال: لم تدم العلاقة طويلاً إذ إن صديقنا هذا تغيرت طريقة تعامله معي وبدأ بالتملص والجفاء الواضح دون تصريح. قلت: وما السبب؟ قال: قد يصيبك الذهول وقد تصعق من السبب! لكنني لن أشدك أكثر لمعرفة هذا، إذ كان السبب أن صديقنا هذا علِم أنني أصلي وأصوم وأقرأ القرآن. ماذا تقول يا سالم؟ قال: نعم. الرجل ليس أنه ترك هذه الأركان فحسب، بل إنه لا يطيق أن يرى أو يرتبط بمن يمارس هذه المسلمات الإسلامية. ويردف سالم: حين كنت أحدثه عن صلاة الجمعة واستيائي من تشدد الخطيب في خطبته وقسوته في الدعاء على العصاة والكفار على حدٍ سواء، كان يقول: لهذا أنا لا أفرق بين الجمعة والأحد. قلت: لعل صاحبك هذا لا يُفرق بين رمضان وذي القعدة كما هو الحال مع الأيام. أجاب سالم: فهمت بالسياق أنه فعلاً لا يُفرق بين الشهور أيضا من هذه الزاوية. ويضيف: لقد ذهلت بالفعل من هذا الأمر وهذه الطريقة في التفكير. صحيح أننا نكره التشدد والغلو في الدين بقناعة تامة من واقع تجربة سوداوية مضنية مريرة، لكن هذا لا يعني الخروج من ربقة الدين وكراهية شعائر الإسلام والتعايش مع المسلمين المعتدلين. وهل نكره المنام والطعام والشراب مثلاً ونمتنع عنها لأن المتطرفين ينامون ويأكلون ويشربون! قلت: لا تذهل يا صديقي ولا يضيق صدرك. فقضيتنا الكبرى هي التطرف في كلا الحالتين. كما أن هناك تطرفا وغلوا في الدين يوجد أيضا تطرف وغلو في الانحلال عن الدين. وكما قال الناظم: لا تغلُ في شيء من الأمر واقتصد ** كلا طرفي قصد الأمر ذميم نحن يا سالم ما بين ترويض المتطرف وإيقاظ المنحل. رابط الخبر بصحيفة الوئام: فهد الأحمري يكتب .. فضيلة الشيخ الملحد