عندما يحل شبح اليُتْم على أعتاب المنازل ويسكن أفئدة اليتامى، فإن لذة السعادة تغادر تلك القلوب إلى غير رجعة وتصبح الحياة مجرد غابة موحشة من البؤس والشقاء، ووجوه الأطفال هي أكثر من يُعبّر لنا عن مدى بشاعة هذه المأساة ويرسم لنا شناعة فصولها وقسوة أيامها. كانت الساعة السادسة صباحا عندما رأيته يسير بخطى متثاقلة بعدما أرهقه ثقل الشنطة التي كان يحملها على ظهره، فيما كان مؤشر الحرارة في السيارة يشير إلى الست درجات فوق الصفر، لم يكن عمره يتجاوز الحادية عشرة، كان يرتجف من شدة البرد، ولم تكن ملابسه الخفيفة مهيأة لأن تحميه من زمهرير الشتاء الذي كان يلتهم أطرافه الطرية ويعثو بقسمات وجهه البريئة. كثيرا ما كان يصل إلى مدرسته متأخرا، مما يجعله عرضة للعقاب بشكل متكرر، ويبدو أن قسوة اليتم لم تعد ترضى بأن تبقى وحيدة في حياة هذا الطفل، فجمعت إلى جوارها قسوة الشتاء وقسوة العقوبة. كم هو مؤلم هذا اليتم عندما يتجلى بقبحه على أوجه الصغار فيحيلها إلى صحارى قاحلة، لا تنبت إلا الخوف والفزع ولا ترتوي إلا بحرارة الدموع! كان يتيم الأبوين، يعيش في بيت عمته، لا يأكل حتى يشبع أطفالها ولا يشرب إلا بعد أن يرتووا، ولا يلبس إلا بقايا أشيائهم، طلباتهم كانت أوامر يتوجب سرعة تنفيذها، أما طلباته وأمنياته فتبقى حبيسة صدره لأنه لن يجد من يلبيها له، كانت أمنيته الوحيدة أن يذهب إلى الملاهي ليلعب كيف يشاء ويلهو كما يشاء، كانت غرفته حرمًا مباحًا للجميع، أما غرف الآخرين فالويل له إن هو اقترب منها أو حتى فكر في مجرد الاقتراب. ذاك هو اليتم عندما يتشكل في أبشع صورة، والقسوة عندما تسيطر على أحداث المشهد لتحيلها إلى لوحة صماء موحشة، لتبدو وجها دميما خاليا من التعابير أو حتى علامات الرحمة. وإني عبر هذا المقال أحث إخواني المعلمين على تفقد أحوال تلاميذهم، وخصوصا اليتامى منهم والسؤال عن مواجعهم الدفينة بكل سرية وأمانة، والمسارعة إلى مساعدتهم وسد حاجتهم، والعمل على مواساتهم بكل وسيلة ممكنة وإيصال معاناتهم إلى أهل الخير وهم كثير في بلادنا ولله الحمد، وكم أغبط هؤلاء المعلمين، فالأجور تسعى إليهم وليس هم من يسعون إليها والحسنات تحفّهم ذات اليمين وذات الشمال كأنها تقول لهم: هل من مبادر؟ رابط الخبر بصحيفة الوئام: دمعة يتيم تشتكي زمهرير الشتاء