هجمتْ علينا “الصّحوةُ” في غفلةٍ من غفلات، ومرحلةٍ من مراحل الطّفرة، فعمدت إلى المجتمع ودوائره، والنّاس وتناولاتها، والبلد وتقاليده، فحوّلت كلّ ذلك إلى دروشة صحويّة، لم تعرف البلاد لها مثيلاً عبر تاريخها! هجموا على البلاد والعباد، فألبسوا الزّمان والمكان، وأصحاب الوجدان “حجابًا” وصفوه “بالإسلامي”، وأطلقوا على حركتهم “الصّحوة الإسلامية المباركة”! لم يكن المجتمع بحاجة إلى الاستيقاظ “إسلاميًّا”، لأنّه لم يخرج عن حظيرة الإسلام، بل كان مجتمعًا يدور حول الدّين، مقتبسًا من تعاليمه، ومتّكئًا على إرشاداته في كلّ تناولاته الحياتيّة! جاءوا بصحوتهم المباركة، فأفسدوا “فطرة النّاس”، و”لوّثوا” نقاء تديّنهم، وسيّسوا شعائرهم الحياتيّة البسيطة التي هي – أصلاً – منطلقة من عمق الدّين، وروح الإسلام! جاءت “الصّحوة” إلى الأدب فسرقت من الهند فكرة الأدب الإسلامي، من زاوية أنّ ما يصلح للهنود يصلح لنا، مع أنّ الهنود بحاجة لأدب إسلامي، لأنّ المسلمين هناك أقلّية وسط أكثريّة غير مسلمة! دخلت “الصّحوة” المجتمع، فصنّفت النّاس إلى “فسطاطين”: ملتزم، وغير ملتزم، فكان من شروط دخول الجامعات شرط يقول: (الالتزام بالمظهر الإسلامي)، خاصّة مظهر الوجه الذي لا يجوز أن يتشبّه الرّجل فيه بالمرأة من حيث “النّعومة”! بعد ذلك عمدَ “الصّحويون” إلى ميادين النّجاح ومجالات التّفوّق فجعلوها في التّشديد وكثرة الالتزام، محقّرين لاعب الكرة، والفنّان، والمهندس، والطّبيب، ولا زلت أتذكّر ترك عدد كبير من طلاب كلّيات الطّبّ والهندسة دراساتهم منتقلين إلى كلّيات “أصول الدّين والشّريعة”، ومع الأسف أنّ بعضهم كان على وشك التّخرّج في هذه الكلّيات العلميّة! جاءوا إلى الأفراح فاخترعوا الزّواج الإسلامي، حتّى السّوق طاله أذاهم، فابتكروا “السّوق النّسائي المغلق”! وسياق “الخيبة” يمتدّ إلى “الإعلام الإسلامي”، و”الجرس الشّرعي” ذلك المستعيض عن رنينه وصلصلته بلسان يصيح “السّلام عليكم”! تدخّلوا في أذواق النّاس، فأنتجوا لهم “الشّريط الإسلامي”، ووزّعوه مجّانًا، أو باعوه بأرخص الأثمان.. وهكذا “شوّهوا” كلّ مظاهر الحياة التي ورثناها عن الأجداد، حياة كانت مليئة بالبساطة والتّمسّك “الفعلي” بالدّين! وآمل من القارئ أن يركّز على “التّمسّك الفعلي”؛ لأنّ كثيرًا من دعاة الصّحوة وأتباعها يرفعون “الدِّين” شعارًا، وليس سلوكًا، ومنهج حياة! الآن، بعد أن زالت الطّفرة، بدأ المجتمع يتلمّس أطرافه، ويتحسّس أشياءه، ليكتشف أنّه “مُحجّبٌ” بشكل لا يتلاءم مع الدِّين وتعاليمه “النّقيّة”، ولا يتوافق مع عقليّة العيش في القرن الحادي والعشرين! ومن الأشياء الجميلة أنّ بعض الجامعات عمدت إلى إلغاء “الأدب الإسلامي” بوصفه منهجًا مستورداً، لتدخله ضمن مدارس الأدب العام! كما بدأ النّاس يدركون أنّ شعارات “الإعلام الإسلامي”، والزّواج الشّرعي، والطّب الدّيني، و”المايوه الإسلامي” كلّها “ألاعيب” قُصد بها ابتزاز النّاس، والعزف على مشاعرهم الإسلامية “الجيّاشة”! لقد تمادى هؤلاء “المُستغّلون”، وكلّما كشفَ المجتمعُ حقيقةً من حقائقهم انطلقوا مسرعين ليبدّلوا جلودهم، مثل الجرزي الذي كلّما حاولت القبض عليه هرب منك تاركًا لك فخذه! دائمًا يسأل الغيورون: من أين جاءنا التّطرّف؟! ومن الحماقة أن يُقال إنّ هذه “الصّحوة” هي السّبب، ولكن يستحيل أن تكون بريئةً، أو لا شأن لها بالتّطرّف والإرهاب، بل هي تتحمّل تعبئة المجتمع، وسلب النّاس إرادتهم، واستدراجهم إلى خانة “تضييق الحياة”، في وقت كان النّاس يظنون أنّ دعاة الصّحوة من الصّادقين المخلصين! إنّ مجرد إطلاق كلمة “صحوة” وفق منهج “مفهوم المخالفة” – كما هو عند أهل أصول اللّغة – يدلّ على أنّ المجتمعَ كان في “غفلةٍ”، وهذا ينطوي على شتيمة للآباء والأجداد الذين أورثونا هذا الوطن العظيم.. أورثونا الحبّ، والسّماحة، والصّدق، والتّواد، والتّواصل، والتّماسك، واحترام الجار، والتّعاون على البرّ والتّقوى، والابتعاد عن الإثم والعدوان! أيُّها النّاس راجعوا “صحوتكم”، فقد تكون حركةً ليس فيها أيّ ملمح من ملامح البركة، ولا تُصدّقوا مَن قال “في كلّ حركة بركة”، وما حركة طالبان عنّا ببعيد! أحمد عبدالرحمن العرفج تويتر: Arfaj1 [email protected] مقالات سابقة