لم يسلم الأدب العربي بشتى فنونه وأنواعه من التأثر بما يحيط بالمجتمع من ظروف سياسية أو اجتماعية أو إنسانية، حيث ظل مواكبا لها مستمدا كينونته من تفاصيلها، وما تمليه من تبعات لاحقة، ويرى عدد من النقاد أن الظروف والتحولات السياسية التي يمر بها الوطن العربي في الفترة الراهنة غير بعيدة عن مقاربة الأدب نثرا وشعرا، مقالة ومسرحا. ويؤكد أستاذ الأدب والنقد في جامعة الملك خالد الدكتور عبد الحميد الحسامي أن التحولات التي تشهدها المنطقة العربية على امتداد ساحتها ليست بمعزل عن التحولات التي اكتنفت حياة الإنسان المعاصر في مختلف أرجاء المعمورة، فقد شهدت اللحظة المعاصرة انفتاحا على العالم التقني، مبينا أن هناك عاملا مشتركا اختص بالأقطار العربية التي حولت الأنظمة الجمهورية إلى أنظمة ديكتاتورية، وحرمت مواطنيها من الخدمات الضرورية والحقوق الأساسية التي ينبغي أن يحصلوا عليها في الوقت الذي عملت فيه على الاستئثار بالثروة في نطاق ضيق للغاية. وقال: لقد حدث تراكم سلبي من الممارسات المستفزة لذات الإنسان العربي، حتى كان الشاب التونسي على موعد لإشعال النار في جسده احتجاجا على مضايقته في لقمة عيشه، كان ذلك إيذانا بإشعال نار لم تنطفئ جذوتها حتى اللحظة على تلك الأنظمة فالتقى فعله الثوري مع تنبؤ شاعر العربية التونسي أبي القاسم الشابي حين قال: إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر. وأشار إلى أن الأدب لم يكن بعيدا عن التحولات ولن يكون في المستقبل بعيدا عنها، موضحا أنه إذا ما شئنا أن نستشرف أبعاد التجربة الأدبية المستقبلية في الأقطار العربية بناء على المعطيات المشهودة فإنه يمكن القول: إن الأدب سينطلق من رؤية جديدة تواكب التحولات المعاصرة وسيحتفي بمعاني الذات والحرية والوطن والتضحية، وسيكون لهذه المفردات حضور أكبر في المستقبل، متوقعا أن الأدباء سيخففون من الإيغال في التجريب الشكلي الذي كان في كثير من حالاته على حساب الرؤى والمضامين. من جهته، لفت أستاذ النقد في جامعة الإمام محمد بن سعود الدكتور محمد القاضي إلى قراءات اعتبرت أن الثقافة بمختلف صورها ومتنوع وسائطها لعبت دورا في تسريع التحولات السياسية في الوطن العربي مستشهدة على ذلك بالنصوص الأدبية والمسرحيات والأشرطة السينمائية والأغاني التي اختارت سبيل التحدي وأدانت السياسات الاستبدادية، ورفعت سقف المطالب السياسية والاجتماعية. إلا أنه يرى ألا مجال للشك في أن الثقافة كانت أحد أبرز العوامل الفاعلة في نفخ النار على الجمرات التي يغطيها الرماد وإذكاء أوارها، متسائلا: هل بقي للمثقف دور في ظل الثورات العربية؟ وما طبيعة هذا الدور إن وجد؟ ويجيب: لقد عملت النظم السابقة المنهارة على تدجين الفكر بإفقاده دوره الريادي الذي يكون فيه حاملا لمصباح "ديوجين" وراسما لملامح المستقبل، وأوقعت في شباكها عددا كبيرا من حاملي الأقلام، فكان من نتيجة ذلك أن انقطعت الصلة العضوية بين كثير من الإنتاج الثقافي والجمهور، إضافة إلى طغيان القضايا المادية الناشئة عن سياسات التفقير والتجويع؛ مما أدى إلى ظهور طبقة أخرى من المثقفين خرجوا من رحم المعاناة وتوجهوا بخطابهم البسيط الساخر إلى عامة الناس؛ ليصنعوا لهم من قيودهم أجنحة يحلقون بها في عالم جديد تسوده الحرية والكرامة، ويمكنهم فيه أن يستعيدوا إنسانيتهم المهدورة وهويتهم. وأكد أن الانهيار المدوي للنظم السياسية الفاسدة سينجرّ عنه انهيار مماثل للنظم الثقافية التقليدية "المدجنة" التي لم تفلح في الإصغاء إلى نبض الجماهير ورصد معاناتها والتضامن معها، مشددا على أن جيلا جديدا من المثقفين شرع في حمل المشعل، مما يدفع إلى تطور أشكال إبداعية جديدة وتوظيف وسائط متجددة، تقطع الصلة مع اللغة الخشبية وتكون أكثر جرأة في التعبير عن مشاغل الناس سواء منها المادية أو المعنوية. أما أستاذ الأدب والنقد المشارك بجامعة طيبة بالمدينة المنورة الدكتور علي مطاوع فأوضح أن هناك مبدعين حاولوا الهروب من واقع الأنظمة الديكتاتورية المرير إلى الانفتاح القسري العابر لكل الحدود والقيود كما في "مصباح الحياة" للشاعر عبدالهادي عبدالعليم الذي وجد راحته, وحياته, وأمنه, وأمانه مع مصباح الحياة " بلال بن رباح " حينما يقول: "نحن قوم متعبون، فأرحنا يا بلال، قد سرينا في طريق للضياع، هدّنا الإعياء والليل الطويل، ضلّ مسعانا، وغابت في ظلام اليأس أنوار الرجاء". وقال: لأن الأدب هو ترجمان عواطف الأمم, وصورة صادقة لإحساسها وانفعالاتها جاءت الأعمال الإبداعية في جلّها قبل وبعد الربيع العربي الذي نعيش نسماته اليوم مبشرة بما حملته من قلق روحي ونفسي, وعانته من قهر وذلّ واستعباد سياسي, مواكبة لمشاهد هذا الربيع الحرّ بتجارب سجلت بكلّ صدق عاطفي, وبكلّ شوق لمثل هذه الرؤى الشعرية التي ظلت عقوداً من القهر محبوسة في وجدانهم، لم يجرؤ أحدهم أن يهمس بها مع نفسه.