أثار معرض "المكان" الذي افتتح الاثنين الماضي في صالة أتيليه جدة للفنون الجميلة إعجاب كثير ممن حضروا لمشاهدة الأعمال المعروضة لأربعة فنانين هم طه صبان، عبدالله حماس، وفهد الحجيلان، وشاكر المعداوي الفنان المصري المتوفى أخيرا. تقاسم الفنانون مساحات جدران العرض، وبدءا بالحجيلان ثم صبان فحماس فالمعداوي حيث احتلت أعمال كل منهم زاوية خاصة في تقسيم قال مدير أتيليه جدة هشام قنديل إن الهدف منه كان تأمل تجربة كل فنان على حدة ومقارنتها بتجربة الآخرين. أما عن عنوان المعرض "المكان" فقال قنديل: إن جميع الأعمال المختارة للمعرض لها صلة بالمكان، أو هي تحتفي بالمكان، بعضها واضح جدا كما هو عند صبان وحماس والمعداوي وبعضها يلفه الغموض وسحر الإحالات الرمزية كما هو الحال عند الحجيلان. ووصف الفنان آرام تجربة الحجيلان بالمميزة، قائلا: قد تبدو لنا سهلة وتلقائية وهي بهذا المعنى صحيحة ولكن على المستوى النقدي تتمتع أعمال فهد الحجيلان بحساسية شديدة في التعامل مع اللون، وقيم مدروسة لا يستطيع اكتشافها إلا متذوق وخبير، فأعماله تتميز بالتوازن على مستوى الإيقاع اللوني مما يعني أن الفنان على وعي تام بما يقدمه للمتلقي. في مستوى آخر، اعتبر الفنان بكر شيخون أن التجارب المعروضة متباينة وينفرد كل فنان بأسلوبه الخاص، وجميعهم يلتقون في أنهم يقدمون المكان من وجهة نظر خاصة، ويمكن القول إن العمل الفني بشكل عام هو وجهة نظر خاصة بالفنان نفسه. أما عن حماس وصبان، فقال شيخون: إن المكان يتجلى في أعمال الفنانين الأربعة المشاركين في المعرض، وينفرد كل منهم بطريقته الخاصة في استحضار المكان، فبالنسبة لصبان جاءت أعماله الأخيرة نموذجا لتجلي المكان وأنا أعتبرها أكثر مراحله الفنية نضجا وخصوبة على الرغم من أنه لا يزال يعيد تركيب هويته وانتمائه ومفرداته مستحضرا جذوره القديمة دون الوقوع في أسر الخطاب المباشر. أما حماس فهو يقدم لنا الريف في منطقة عسير بكل نقائه وبهائه من دون ثرثرة لونية إن صح التعبير، فنرى عالمه القروي بروحانيته وخصب مفرداته، فهو لا يكف عن استحضار المكان العسيري في سحر ألوانه تاركا المتلقي في حيرة أحيانا أمام زخم الألوان وتنوعها وحدة إيقاعها. معرض "المكان"، الذي شهد حضور عدد من الفنانين المتميزين كربيع الأخرس وبكر شيخون وعبدالله إدريس ومحمد حسين ووفاء هداية، جاء باكورة الموسم التشكيلي الذي يزداد زخما وتنوعا في جدة، وإذ يفتتح الموسم بهذا المعرض القوي، فإنه يبدو موسما حافلا بكثير من العطاء كما عبر عن ذلك عبدالله حماس الذي تحدث ل"الوطن": عن أعماله المعروضة، قائلا إنها تعكس مناخات منطقة عسير، مشيرا إلى إحدى لوحاته التي تتزين بزخات مطر متناغمة الألوان، وتابع: هذا الجو يتوفر بشكل يومي في عسير، فغزارة الألوان والمسطحات المائية عند سقوط الأمطار أعطت اللوحة جاذبية خاصة، تجلت في الانسجام بين زخات المطر وإيقاعات اللون الذي يتخلق في العلاقة بين مكونات الطبيعة في لحظة بعينها.