تضمن العدد الأخير من مجلة ذاكرة مصر المعاصرة التي تصدر عن مكتبة الإسكندرية، مثالاً تاريخيًا للوحدة الوطنية تمثل في الصداقة القوية التي جمعت الفنانين بديع خيري، المسلم، ونجيب الريحاني، المسيحي، وذلك تحت باب "لطائف وطرائف". وأشارت المجلة إلى مسرحية "حسن ومرقص وكوهين"؛ حيث قال بديع خيري في حوار له عن المسرحية إنها كانت شعارًا للوحدة الوطنية، وإن ظروف العمل بها كانت أكبر دليل على الوحدة، وليس فقط من خلال النص أو السيناريو، أي لم تكن وحدة وطنية على الورق فقط، وإنما شعارًا وفعلاً. ولفت بديع خيري إلى فكرة المسرحية قائلا: "كان زميلي نجيب الريحاني وأنا نعود ذات يوم مريضًا من أصدقائنا بأحد المستشفيات في حي العباسية، و لفت نظرنا في الطريق لافتة فوق أحد المتاجر (مستودع الأمانة لصاحبه أبسخرون وعثمان) ولا يدري كلانا كيف استوقفته هذه التركيبة التي إن دلت على شيء فإنما تدل على أن شؤون التجارة بمعزل تمامًا عن فوارق الأديان، وهي من هذه الناحية تلعب دورًا كبيرًا في توثيق أواصر الأفراد وبالتالي توثيق أواصر المجتمع". وأضاف أن نجيب الريحاني لفت نظره لهذا الأمر وعرض عليه فكرة عمل مسرحي يتناول الوحدة الوطنية التي تعيشها مصر والتسامح الديني السائد بين أبنائها معبرا عن ذلك بعبارة: "كم يكون أجمل وأروع إذا أضيف إلى الشريكين المسلم والمسيحي شريك آخر يهودي". وذكرت المجلة أن خيري والريحاني بدآ بالفعل في رسم الخطوط العريضة للعمل، واقترح بديع خيري في البداية أن يكون اسم العمل "حسين وحنين وكوهين" حتى استقر الرأي أخيرًا على "حسن ومرقص وكوهين". ونوّه بديع خيري في الحوار آنذاك إلى أن التسمية أعجبتهما إلى حد كبير، في حين لم يكونا قد فكرا بعد في قصة المسرحية نفسها، مشبها ذلك الموقف بما قام به جحا في نوادره عندما عثر في الطريق على حدوة فاشترى لها فرسًا من ماله لينتفع من الحدوة. وأوضح أنهما ألفا المسرحية في 26 يومًا، منها 22 يوما للفصلين الأول والثاني، وأربعة أيام فقط للفصل الثالث، ثم أرسلا المسرحية إلى إدارة المطبوعات للتصديق عليها، وبدآ في الدعاية لها في الصحف والمجلات وعلى جدران الطرقات والشوارع، ولكن فوجئا باعتراض إدارة المطبوعات على التصديق بالموافقة على المسرحية في ليلة عرضها خضوعًا لرأي أبداه عالم أزهري في رسالة مكتوبة. وأوردت مجلة ذاكرة مصر المعاصرة أن المستشار عبدالسلام ذهني توسط لحل هذا الموقف؛ حيث استطاع الحصول على موافقة الأزهر باعتبار الأمر لا يمت بصلة لشخص "الحسن" حفيد الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولا يحمل أي إساءة لدين الإسلام. وتكرر الأمر ذاته مع بطريركية الأقباط الأرثوذكس على اعتبار أن "مرقص" الرسول هو البشير بالكرازة المرقسية، إلا أن المحامي توفيق دوس أسهم في تذليل الصعاب والحصول على الموافقة على العمل. كما تكرر الأمر للمرة الثالثة مع "كوهين"؛ حيث اعترضت الحاخامية على فكرة وضع الاسم في عمل كوميدي؛ إذ إن كوهين باللغة العبرية هو الكاهن الأعظم. وقد توسط لحل هذه المشكلة رجل الأعمال موسى داسا. ورأت المسرحية النور لأول مرة على مسرح دار الأوبرا بالقاهرة في 16 نوفمبر عام 1941.