تشهد جدة نوعا خفيا من صراع الحضارات، تكاد تعلن فيه إحداها استسلامها وانسحابها من المشهد، إلا أن هناك بعض المحاولات الفردية تتشبث بالبقاء، فهل يكتب لها النجاح؟ فلم تصدق أن أحد طرفي الصراع هي الأطعمة الغربية والآسيوية والأميركية بل والعربية أحيانا التي أجهزت على أطعمة أهل الحجاز التي تربى عليها الآباء والأجداد. فالسائر في شوارع جدة تحاصره مطاعم الوجبات السريعة التي تتنوع مأكولاتها ما بين البيرجر والدجاج المسحب، والشيش طاووق والبيتزا، المتهمة الرئيسية من قبل الاختصاصيين في ارتفاع نسبة السمنة والأمراض المزمنة، كما أجبرت الأطعمة الشعبية على أن تتوارى عن القوم إلا في المعارض التراثية، حيث يحاول الآباء إقناع أبنائهم بتذوقها وربما يخفقون في معظم الأحيان. ومن ضمن الأكلات التي اندثرت "التعتيمة الحجازية" التي تحاول إحدى السيدات السعوديات إحياءها على مائدة السعوديين، من خلال إعدادها في منزلها وتسويقها في حفلات الأفراح، في بادرة منها للمحافظة على التراث الحجازي الأصيل. وتشير علا رجب إلى أن فكرة تأسيس البيت الحجازي الخاص بتقديم التعتيمة الحجازية نبعت من اهتمام أسرتها بهذه الأطعمة من خلال إعدادها وتقديمها في بعض المناسبات، لا سيما في إفطار أول أيام عيد الفطر. وتوضح أن التعتيمة تشتمل على أطباق من الأجبان والمش الحجازي والزيتون المعدة بنكهات مختلفة بالإضافة إلى أنواع مختلفة من المخللات الباردة والحارة ودجاج البر, الترمس, الفول, البليلة, العريكة, المعصوب والمطبق وكباب الميرو، مضيفة أنها تشتمل كذلك على بعض أنواع الحلويات مثل حلاوة اللدو واللبنية والهريسة والسمسمية والحلاوة الطحينية, والمربيات بمختلف أنواعها. وعن سبب التسمية، تفيد بأن مسماها اشتق من عتمة الليل، حيث كان الآباء والأجداد يتناولون وجبة العشاء مبكراً، ومن ثم يتناولون التعتيمة كوجبة إضافية في ساعة متأخرة من الليل، لافتة إلى أنها كانت تحظى باهتمام المكيين والمدنيين وذلك لسهولة وسرعة تحضيرها وقلة تكلفتها. وألمحت إلى توجه بعض سكان جدة إلى إقامة بوفيهات التعتيمة في احتفالات الأعراس، مشيرة إلى أن أكثر الفئات إقبالا عليها هم من تجاوزوا 40 عاما، خاصة من النساء، مرجعة عدم إقبال الشباب عليها لعدم معرفتهم بها وتعودهم على الأكلات الغربية التي تستهويهم، محملة المسؤولية في ذلك للحملات الدعائية التي تنفذها الشركات لهذه الأطعمة حيث تساهم في غرس حبها في نفوسهم منذ الصغر. وتؤكد رجب أن الهدف من هذا المشروع هو الاهتمام بإحياء العادات والتقاليد القديمة والمحافظة على تراث الآباء والأجداد من خلال تقديم الأكلات الشعبية بأسلوب عصري وحديث، لافتة إلى تعاون أفراد الأسرة رجالا ونساء سابقا في إعداد التعتيمة الحجازية في المناسبات وحرصهم على الضيافة والاهتمام بالتقاليد الاجتماعية التي كانت سائدة في الماضي. وتبين أن البوفيهات التي تقدمها تتميز ببساطتها واحتوائها على ألوان مختلفة وجذابة ومستوحاة من البيئة الحجازية التي تذكرنا بماضينا العريق مع إضافة لمسة فنية من خلال الأكلات الشعبية مما يزيد من الإقبال عليها، مشيرة إلى أنها تبذل قصارى جهدها في اقتناء العديد من الأدوات والمقتنيات التي كانت تستخدم في الماضي في محاولة منها لربط الماضي بالحاضر من خلال إجراء بعض التعديلات كالملابس، الحلي, أدوات الطهي, الفوانيس, المراوح اليدوية, الأثاث البسيط.