بعد أن اكتشف أهالي عسير وسياحها طبيعة المنطقة الساحرة من على الأرض، فهاهم يتسابقون الآن لاكتشاف أسرار أخرى للجمال الطبيعي للمنطقة، لكن هذه المرة من الجو، فلامسوا سحابها واعتلوا جبالها الخضراء ومروا من فوق أوديتها الجارية من خلال طائرات رياضية خفيفة. ونظرا للنجاح الكبير الذي شهدته النسخة الأولى من تلك الرياضات، أطلق مجلس التنمية السياحية، وهيئة السياحة والآثار في منطقة عسير أخيرا بالتعاون مع رجل الأعمال، منظم مهرجان الطيران الرياضي مسفر بن جبران السريعي النسخة الثانية من العروض الجوية في قطاع مرشد شرق مدينة أبها. وبيّن السريعي أن الطيران الرياضي في منطقة عسير شهد أول ظهور له العام الماضي تحت مظلة مهرجان أبها 1431، وأن ما دفعه إلى الاهتمام بهذه الرياضة هو حبه لها ولمنطقته التي يرغب في أن يزيدها روعة وكمالا بهذه الرياضة التي تستهوي الكثير. خوف واستعداد للموت تسنى لي أن أركب كثيرا من الطائرات الرياضية داخليا وخارجيا، لكنني لم أشعر بالخوف أبدا كما شعرت به في قطاع مرشد أو كما يقول عضو مجلس الشورى عبدالوهاب آل مجثل إن التسمية الصحيحة قطع مرشد، وأضاف "تملكني الخوف ليس في بداية الإقلاع السلس لطائرة الجايروكابتر بقيادة السويدي تيم مورال، لكن بعد أن وصلنا إلى ارتفاع ألف متر عن سطح الأرض ودخولنا في دوامة هوائية، اضطر معها للدوران بالطائرة حول نفسها عدة مرات، تيقنت خلالها أن الطائرة ستهوي بنا إلى مكان سحيق، نطقت بالشهادة، واستعددت لموت محقق، طلبت من تيم العودة والهبوط بعد أن استقر الحال، وفي الأرض أبلغني الكابتن أن تلك جزئية بسيطة مما يواجهونه، وأنه لا خوف من تلك الطائرة التي أنتج منها قرابة ألف طائرة منذ 2010، ولم تسجل لها حادثة واحدة، لا علينا هبطنا.. وعاودني الحنين للإقلاع مرة أخرى، لكن هذه المرة كانت الأجمل، تمنيت لو أنها استمرت ساعات، طرنا فوق أجزاء كبيرة من أبها وحلقنا على ارتفاع منخفض من مركز آل زلفة الثقافي والحضاري. تجربة ثرية ولفت مدير عام المهرجان الكابتن عبدالباري آل عبدالله إلى أن مدة المهرجان 10 أيام، وتشارك فيه طائرات خفيفة وطائرات من طراز "جايروكابتر"، وهي التي تطير لأول مرة في سماء المملكة، تساندها طائرات من نوع دلتا ذات المحرك الواحد، والمهرجان يستضيف طيارين هواة من دولة قطر الشقيقة، ويتزامن مع الملتقى الخليجي ل"البراجلايد" في مرتفعات السودة. الطيران اهتمامي ومستقبلي في المقابل أشاد الكابتن السويدي تيم موريل بالتنظيم وروعة الأجواء في عسير، وعن طائرته قال "طائرة الجايروكابتر تستطيع الطيران في الظروف الجوية الصعبة, ولها قدرة على الإقلاع والهبوط سريعا". وعن تجربته مع الطيران الرياضي قال تيم "ولدت عام 1991 عندما بدأ جدي لينارت موريل الطيران على طائرة (Trikes) بعد رحلة قام بها إلى ماليزيا عندما وجد طائرة ترايك مجهزة بزورق مطاطي من الأسفل لتكون قادرة على الإقلاع والهبوط من على سطح المياه، وأصبحت مهتما بالطيران منذ رحلتي الأولى عندما كنت بعمر الثالثة في المقعد الخلفي مع جدي في طائرته، ولا أزال إلى اليوم أتذكر هذه الرحلة، وأذكر أنني اكتشفت أن الطيران هو اهتمامي ومستقبلي، وعندما وصل عمري 12 عاما بدأت المساعدة في مهبط قريتي, كنت أقوم بتعبئة الوقود، وأساعد في أعمال الصيانة، وتنظيف الطائرات، وبدلا عن الحصول على المال كنت أحصل على فرص للتحليق، وعندما بلغت 17 عاما حصلت على رخصة الطيران، والآن عمري 20 عاما والطيران الرياضي مهنتي وأنا الآن أدرب الناس على الطيران الرياضي"، وتابع "زرت الكثير من الأماكن لكن في الدول العربية والمملكة الناس يختلفون عن غيرهم خصوصا في أبها فهم ودودون، وهذا يناسب طبيعتي الاجتماعية". مشاركة خليجية في المقابل أكد مدير العمليات في نادي قطر للميكرولايت أحمد عبدالرحمن أنهم حضروا للمشاركة في الملتقى الخليجي الثاني للرياضات الجوية، برفقة الطيار الشيخ خالد بن عبدالله آل ثاني، ومدير النادي خالد عبدالرحمن الخاطر, وأن الهدف من ممارسة هذه الرياضة هو التعارف. ويضيف "سافرنا بطائرة السسنا ذات الأربعة المقاعد، كتجربة وليكون هناك تعارف بين دول الخليج ونشر ثقافة الطيران, تحركنا من قطر إلى الرياض وعند وصولنا فوجئنا بارتفاع رسوم الهبوط مقارنة بمطارات الإمارات والبحرين والدمام فالفرق كبير، وأعتقد أن هذا أحد عوائق انتشار هذه الرياضة في المملكة". ندرة الوقود وتابع "اضطررنا إلى الهبوط في مطار الملك خالد بالرياض من أجل تعبئة الوقود وإتمام أوراق الدخول، وتفاجأنا بعدم وجود وقود للطائرة الذي هو من نوع (أف قاز) وللحصول عليه يجب التوجه إلى مطار الثمامة فهو متوفر في "نادي الوعلان" حيث تزودنا بالوقود الكافي وشحنا كمية أخرى إلى مطار أبها لعدم توفر هذا النوع من الوقود في عسير، واستغرقت رحلتنا من مطار الدوحة إلى الرياض ساعتين ونصف الساعة وإلى مطار أبها 4 ساعات". طائرات رياضية ويلتقط مدير عام المهرجان الكابتن عبدالباري آل عبدالله الحديث ليشير إلى رغبته في تأصيل ثقافة الطيران الخفيف، وطالب بدعم أكبر وتخصيص مواقع لاحتضان تلك الطاقات الشابة، وقال "تمكنت من الطيران لأول مرة عام 1999، وأول من عُني بالطيران بالمظلات في سودة عسير هو الأمير بندر بن خالد الفيصل، ونادي عسير للطيران تم تأسيسه عام 2005 ومرخص له بالتدريب على 3 أنواع من الرياضات الجوية". برجلايد وعن أنواع الطائرات الخفيفة أو الرياضية يقول عبدالباري: إن طائرة "برجلايد" هي مظلة شراعية ذات مقعد واحد، وتطير من المرتفعات والتلال، وهي مصنوعة من قماش خاص ممزوج بأنواع النايلون تشده على مقعد الراكب خيوط من البلوسترين رفيعة ومتينة ومساحة مظلتها بين 25 40 مترا مربعا، ويطول الجناح كلما كان وزن القائد بين 55 120 كجم، وقيمتها لا تتجاوز 14 ألف ريال. البراموتر وهي مظلة شراعية وبها مقعد وخلفه يقبع محرك صغير، يعلقها الهاوي على ظهره ويدير الموتور بنفسه أو مساعدة الآخر، وجهاز التحكم يبقى في يده، ومن ثم يعتمد على الركض مسافة كبيرة في أجواء مثل عسير إلا أنها تقل عندما يكون الطيران على الساحل، حيث الضغط الخفيف وكثرة الأكسجين. ترايك طائرة خفيفة لها هيكل معدني مثبت على ثلاث عجلات وخلفها موتور، وتعتمد على حركة المروحة المثبتة في الموتور تساعدها في الإقلاع والهبوط المظلة. مايكرو لايت طائرة شراعية ذات مقعدين بقوة 50 100 حصان، ولها جناح ثابت، وتحتاج إلى مدرج أطول من 30 مترا في أماكن خاصة أما في أبها فلن تستطيع الطيران إلا بمدرج يتجاوز 70 مترا، إذ إن الارتفاع عن سطح البحر يتجاوز 2200 متر، وذلك مجهد للطائرة، ولعسير تجربة مماثلة العام الماضي في الحبلة. البحث عن الأغنام من جانبه، يروي منظم الفعالية، رجل الأعمال مسفر السريعي أن مسنا بدينا حضر برفقة آخر للبحث عن أغنام ضائعة، وقال السريعي "وصلا إلى مقر مهرجان الطيران الرياضي، وقد أعياهما التعب من البحث عن الأغنام الضائعة بسيارتهما، وطلب المسن من الطيارين أخذه في جولة جوية عله يجد أغنامه، لكن اعتذر منه الطيارون بسبب وزنه الزائد، لكنهم هبوا مسرعين للبحث عن الأغنام وظل المسن في المدرج حتى وصلت آخر طيارة رياضية زف قائدها له بشرى إيجاد أغنامه، وتم تحديد ذلك من خلال الGBS، وذهب الطيار مع المسن بواسطة السيارة لتحديد موقع الأغنام، ووعد المسن الجميع بإعداد وليمة تكريما للطيار الذي وجد أغنامه ولزملائه الطيارين الذين ساعدوهم في البحث".