لصمت الزوج أسباب كثيرة، منها ضغوط العمل والإجهاد، أو سماع الزوج لتعليق خاطئ واستهزاء من زوجته عندما يتحدث، ومقاطعته كثيرا عند الكلام، بالإضافة إلى إصدار الأحكام المسبقة على حديثه قبل الانتهاء من الكلام، أو الاتهام المباشر واللوم والتهكّم أثناء الحديث معه، والتقليل من شأن ما يطرحه من حديث أو يقترحه من حلول ومشاريع، فضلا عن أن تشعره الزوجة بأنها تفهم أكثر منه في الموضوع الذي يحاورها فيه، أو أن تلجأ إلى تصحيح معلوماته، أو عدم إبداء الزوجة اهتماما لما يطرحه زوجها من حديث، وهذا كله يدفع الزوج إلى الصمت. "في معظم الأحيان لا أرغب في التكلم ولا حتى في الاستماع إلى زوجتي أو أولادي، لأنني بعد انقضاء العمل الذي يستمر لنحو ثماني ساعات، أحتاج إلى فترة من الراحة والاستجمام واستعادة الطاقة"، بهذه الكلمات وصف تاج السر (46 عاما) حالته حينما يصل منزله بعد عناء العمل، مضيفا "وما يزيد من توتري أكثر، رغبة زوجتي في التكلم عن شؤون المنزل والأولاد، بل وتقابلني بكم من الأسئلة، مثل "كيف كان نهارك، ماذا فعلت، خبّرني، آه لو تعلم ماذا فعل الأولاد"، مما يدفعني إلى الصمت أكثر للتهرّب من الحديث". من جهته، يقول استشاري طب الأسرة بأحد المستشفيات بجدة، الدكتور أحمد عبدالمنعم "تظن بعض الزوجات أن زوجها قد تغيرت مشاعره تجاهها أو العكس، والحقيقة أن السبب الأساسي هو أن الرجل يحتاج إلى أن يتصرف وفق طبيعته كرجل، كما تحتاج المرأة إلى أن تتصرف وفق طبيعتها كامرأة، ومن الخطأ أن ينكر أحدهما على الآخر هذا الحق، كما ننكر على أبنائنا أن يتصرفوا كأطفال، أو ننكر على كبار السن أن يتصرفوا ككبار سن". ويضيف "أن الخلاف بين الرجل والمرأة خلاف في أصل الخلقة، وأنه لا يمكن علاجه، وإنما يجب التعامل معه بعد أن يفهم كل طرف خصائص الطرف الآخر"، مشيرا إلى أن عقل الرجل صناديق وعقل المرأة شبكة، وهذا هو الفارق الأساسي بينهما، فعقل الرجل مكون من صناديق مُحكمة الإغلاق، وغير مختلطة، فهناك صندوق السيارة، وصندوق البيت، وصندوق الأهل، وصندوق العمل، وصندوق الأولاد، وصندوق الأصدقاء، وصندوق المقهى..... إلخ. وأشار إلى أن الرجل إذا أراد شيئا فإنه يذهب إلى هذا الصندوق، ويفتحه ويركز فيه، وعندما يكون داخل هذا الصندوق فإنه لا يرى شيئا خارجه، وإذا انتهى أغلقه بإحكام ثم شرع في فتح صندوق آخر وهكذا، وهذا هو ما يفسر أن الرجل عندما يكون في عمله، لا ينشغل بما تقوله زوجته عما حدث للأولاد. ولفت عبدالمنعم إلى أن من المثير في صناديق الرجل أن لديه صندوقا اسمه: "صندوق اللاشيء"، فهو يستطيع أن يفتح هذا الصندوق ثم يختفي فيه عقليا، ولو بقي موجودا بجسده وسلوكه، فيمكن للرجل أن يفتح التلفزيون، ويبقى أمامه ساعات يقلب بين القنوات، وهو في الحقيقة يصنع لا شيء، ويمكنه أن يفعل الشيء نفسه أمام الإنترنت. أما المرأة فعقلها مثل الشبكة التي تلتقط الأشياء، وتعتني بالتفاصيل. ويضيف "لا شك أن الزوجين يعملان في بناء أسرة إنسانية، ولا يمكن أن يتم البناء إلا بأن يكون عملهما مُتَّصفًا بالتضحية والإيثار والتسامح والتحمل، وإن غاب الإيثار والتسامح والتضحية من جو الأسرة فلن تجده في جوٍّ آخر، وتحكيم دين الله في الحقوق والواجبات لكل من الزوجين يقطع دابر الخلاف، ويتيح للسعادة أن ترفرف بأجنحتها على بيت الزوجية، ذلك لأن الاحتكام إلى مقاييس ربانية وضعها رب العالمين يجعل في النفس راحة في الأخذ بها والوقوف عند حدودها، عندها لن يكون هناك نكد ولا خصام ولا خلاف.