أتمنى ألا تأخذوا كلماتي هنا كنصيحة هي بمنزلة كتابة على جدار رصيف من مجهول!، لا شيء يستفزني أكثر من تلك الرسائل «الواتسابية» والقصائد والأحرف المليئة بالنصح والحث على دروب الفضيلة والكرم والشجاعة، وقائمة طويلة من الأفعال الواجب والمستحسن الامتثال لها لكي تكون أنموذجا سائرا زاخرا بمثاليات زائفة لن تزحزح جبال طباعك الحقيقية! عوضا عن أنك لن تستطيع تحويلها نقوداً أو تؤهلك لترقية في الوظيفة! النصائح مفاتيح لأبواب تقودك لتكسب رضا الآخرين! ولا تسألوني عمن يكون الآخرين لأنني حقيقة لا أعلم! حكاياتنا مع النصح بكل أوجهه مضحكة ويبدو أنها ثقافة عربية خالصة! تصوروا أن مواطنا أوروبيا يتحدث في قصيدة عن وجوب أن تكون سخيا وتذبح و«تصلخ» كلما عبر أحد ما إليك! حقيقة لا أجد بطولة في ذلك إطلاقا! الإنسان بطبعه لا يتغير غالباً بتأثير وإيحاء خارجي وإن شرب كل الكلمات الداعية ليكون أنموذجا فريدا لكل الصفات الحسنة! في الدين الهداية بيد الهادي الرحيم، تنزل الهداية على العباد كجلباب طمأنينة دافئ حينما يريد العزيز الجبار ذلك، لذلك يستحيل أن يترك البخل كائن لمجرد سماعه بيتا شعريا يتحدث عن جمالية أن تكون «مطنوخاً»، أو أن يتبدل آخر ويصبح شجاعا مقداما كافرا بالخوف لمجرد أنه استمع لقصيدة عصماء تتحدث عن فروسية الشجاعة وفرسان القبيلة! للعلم ما هي القبيلة! هي أفراد أوائل عاشوا وانقضوا بكل ما فيهم! استحضارهم في الواقع خرافة وأغلال مكبلة لن تصمد أمام المدنية الحديثة، وإن تداعت الشيلات صارخة ملجلجة! حاولوا أن تتوقفوا عن بعث رسائل النصح وإرسال الأشعار المتهمة بجرائم «الهياط»، ولاحظوا كيف أن الحياة ستظل سائرة كالمعتاد! منجاتنا الوحيدة هي كونك إنسانا حقيقيا فقط، ختاما لنا بحال المدخنين أجمل الأمثلة المؤكدة على عدم جدوى النصيحة، فقرارات ترك التدخين حينما تأتي لا تعبر عبر نصيحة من أحد أو دعاية محذرة من الأخطار، واسألوا الصور المرسومة على علب السجائر!، ولذلك أحيي لوزير الصحة خطوته بإيقاف حملة مكافحة التدخين وتحويل مخصصاتها لمعالجة المرضى من آثار التدخين!