ثلاثة «مُلهمون» أبهروا زوار معرض الكتاب في الرياض بعد أن حققوا نجاحاتهم في ظروف صحيّة صعبة، فأحدهم رغم أنه «مُقعد» على كرسي متحرك إلا أنه اشتهر عالمياً في احتراف التصميم والرسم على الحاسوب، وآخر رغم أنه «كفيف» إلا أنه احترف التصوير وتدريب ضعاف البصر والدفاع عن حقوق المكفوفين، والثالث نال درجة الدكتوراه في تخصص نادر عالمياً وهو على سرير المرض. تجارب هؤلاء الثلاثة تم اختيارها من بين عشرات القصص، وحضر أصحابها ليكونوا ضيوفاً على ندوة «قصص نجاح سعودية» التي نظمها معرض الكتاب مساء أول من أمس وأدارها محمد العميري. أفضل رسالة دكتوراه بدأت الندوة بقصة عضو هيئة التدريس في جامعة الملك سعود ومستشار أمن المعلومات في الجامعة الدكتور معاذ الخلف، الذي حصل على أفضل رسالة دكتوراه في تخصص نادر هو «إيجاد الأخطاء البرمجية والثغرات الأمنية في مواقع الإنترنت وإصلاحها» من قسم علوم الحاسب في جامعة كاليفورنيا «سانتا باربرا» في أميركا، حيث نال شهادته وهو يصارع مرضا غامضا في العمود الفقري، ألزمه السرير الأبيض عدة أشهر لينهي رسالة الدكتوراه من على سريره بعد أن صمّم قطعة معدنية ألحقها بفراشه ليضع عليها جهاز الحاسب الآلي ولازم مكانه يبحث ويدوّن رسالته إلكترونياً. وقال الخلف أثناء سرده قصته إنه بعد أن ابتعث إلى أميركا وبدأ خطواته الأولى أصيب بمرض نادر لم يكتشفه الأطباء ولم يجدوا له علاجاً، أقعده تماماً عن الحركة والوقوف، وأصبح أسير الفراش، ورغم ذلك لم يستسلم، بل استمر في البحث والتدوين لرسالته، رغم صعوبة تخصصه وتعقيد مراحله، لافتاً أنه استطاع بعد دعم والديه وزوجته ومشرفه على رسالة الدكتوراه أن يتجاوز الصعاب، ويحقق إنجازاً سعودياً جديداً، حيث اختيرت رسالته للفوز بأفضل رسالة في أمن المعلومات. احتراف التصميم الشاب راكان كردي اسم جديد في عالم تحدي الإعاقة الحركية، فرغم أنه «مقعد» على كرسي متحرك وشهادته «ابتدائية» إلا أنه يجيد الإنجليزية، واحترف الرسم الرقمي وتصميم الجرافيك، وأصبحت تصاميمه مطلباً للعديد من الشركات المتخصصة ولكثير من المشاهير عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وقال كردي أثناء حديثه إنه التحق بمدرسة جمعية الأطفال المعوقين بجدة، وأكمل 3 سنوات هناك قبل أن تقرّر مدرسته نقله إلى مدرسة للتعليم العام ليجد نظرات سلبية واستنقاص من زملائه الطلاب الأصحاء، مما سبب له أزمة نفسيه أجبرته على الطلب من إدارة المدرسة السماح له بالبقاء في فصله باستمرار حتى لا يتعرض لسخرية الطلاب، قبل أن يصاب بمرض في العمود الفقري أجبره على الجلوس دائماً على كرسي متحرك، وطلب منه الأطباء عدم الخروج من المنزل، ورغم أن هذا القرار كان محزناً له إلا أنه بروح الإصرار والتحدي استغل وقته في التعلم الذاتي للتصاميم الحاسوبية والرسم الرقمي واللوحات الفنية والطباعة على التيشرتات والأكواب بعد أن دعمه والداه مادياً ومعنوياً حتى أصبح اليوم يمتلك متجراً إلكترونياً معروفاً على وسائل التواصل الاجتماعي، ويطلب خدماته العديد من الشركات والمشاهير، كما أن له مشاركات باسم المملكة في عدد من المهرجانات العالمية. كفيف احترف التصوير الشاب محمد سعد «كفيف»، ويعمل ناشطاً اجتماعياً في حقوق المكفوفين، ومدرب تقني لضعاف البصر، فقد بصره بخطأ طبي، لكنه قال في معرض حديثه عن قصة نجاحه إن ذلك الخطأ الطبي الذي حدث من طبيبته بعد ولادته كان من «حسن حظه»، لأن إعاقته البصريّة دفعته إلى التحدي وتحقيق الطموحات، مشيراً إلى أن قصته بدأت بعد ولادته حين تسبب خطأ طبي في فقده للبصر. وعاش في مدينة «الخفجي» حيث لا توجد وقتها مدارس للمكفوفين ليبقى على هذه الحال 20 سنة قبل أن ينتقل للدراسة عند شقيقه في مدينة الخبر ويبدأ دراسته، مشيراً إلى أنه في بداية احترافه التصوير الفوتوجرافي وجد سخرية من الناس الذين يستغربون «كفيفاً يلتقط الصور»، لكن تلك الأصوات لم تثبط من عزيمته، واستمر في نشاطه معتمداً على حاستي السمع في تصوير الأشخاص وتحديد مواقعهم، وكذلك حاسة اللمس في تصوير الأشياء والأجسام الثابتة.