كتبت منذ زمن "وإن الفقد موجع، علّقت إحداهن.. "جزّار" حفر هذا التعليق مكانا في قلبي وعقلي، كُل ما لاح شيءٌ من فقدٍ تذكرته، الأسبوع الماضي وقفتُ أمام الجَّزار أطلب لحما شهيا لأعد وليمةً في بيتي لضيوفي، وقفت بكلُ الفقد الذي استعمرني، واللحّام أمامي خلف منضدته ملطخا بالدماء، والأنعام خلفه تتدلى، لا يسترها إلا قطعة قماش في درجة حرارة منخفضة، لم أشعر إلا برعشتي من تخيل البرودة فيها.. ماذا تريدين؟ لحم بعظم، ولحمة مفرومة، السكين الحادة تضرب بقوة، والساطور الكبير يدكُ العظم دكاً، بيدين قاسيتين وعينين متبلدتين سلمني اللحم، هل كان ينتظر مني ردا؟! هل تساءل ما بال هذه السيدة؟ عيناي كانت تسأله: هل الفقد جزار؟ هل رأيته يوما؟ هل علمك حِرفة السكاكين؟ حملتُ أسئلتي ومضيت في طريقي أعُد مالذَ وطاب، أبتسم وأضحك وأثرثر ونتحدث كثيراً، نتكلم في كل شيء إلا حديث القلوب، بكل سعادة ينتهي عشاؤنا، أحمل ما تبقى، أرتب فوضانا وبعثرتنا، وألقي بجسدي على فراشي الوثير.. تغلبني دمعتي وتفر من عيني! وكسكينٍ حاده تفصلُ اللحم عن العظم، ويتجدد الفقد والحنين الذي لا يجرُ الذكرى، بل يجرنا إليها جراً، فلا تفارقنا ولا تبارح مكانها.. يضرب الحنايا كساطور جزار متبلد.. وشهقة فؤاد يعلو صوت نشيجها، وإن الفقد جزار.. وإنه لموجع.. العنود الشهري