لا يخلو أي مجتمع من المحافظين، سواء على مستوى الحياة أو السياسة على الخصوص، ففي بريطانيا مثلا هناك حزب للمحافظين عرف برفضه أي تغيير اجتماعي راديكالي أو سياسي، وهذا الرفض ليس على سبيل المزاج، بل نتيجة فكر وأيديولوجيا يرون بأنها تحافظ على الكيان البريطاني. ويكفي أن قادة هذا الحزب رموز قوية حققت نجاحات لبريطانيا منذ ونستون تشرشل ومارجريت تاتشر إلى آخرهم. والمتأمل في التاريخ يجد أن المحافظة برغم عيوبها، تحفظ للأمم كيانها وشخصيتها ووجودها وحضارتها، أو على الأقل جيناتها لتنمو ذات يوم. لنصرف النظر عن المحافظة في الغرب ونتجه إلى وضعنا في السعودية، حيث المحافظون ونقيضهم، ولنسمهم "غير المحافظين" الذين لا نرى أن هناك وصفا وسمة واضحة غير ذلك حتى نستطيع تسميتهم بها. ومنهج المحافظين واضح فرضته عليهم جذور دينية مقدسة وتاريخ عظيم وحضارة يعترف بها العالم كانت مسنودة بقوة وانضباط منهجي من خلال القرآن الكريم والحديث الشريف. وبصرف النظر عن دقة اقتراب هؤلاء المحافظين من تلك الجذور، فإنهم الأقرب انضباطية ومحافظة من غيرهم الذين تفلتوا بقصد وبغير قصد كالجهل مثلا، وأقل ما يقال عنهم إن لديهم منهجا واضحا وخطة واضحة ورؤية نستطيع تحديد ملامحها وأدواتها ولغتها، أما النقيض فهم مشاغبون ومناكفون بدون رؤية، بدون منهج، بدون لغة بقوانينها، يتملصون ويتفلتون من كل شيء له علاقة بالجذور. في الحقيقة لست معترضا على أسلوبهم هذا، فلعل عندهم جديدا ورؤية ننهض بها، لكن كيف يكون ذلك وهم بلا ملامح بلا منهج بلا ضوابط؟. إن هذا الأمر هو نوع من الفوضى الهمجية، ونمط من العبث وحب الظهور، فإذا كان الغرب يوجد بينهم من يناكف المحافظين ويشنع عليهم منهجهم، إلا أنهم متفقون في الأسس والغايات ومختلفون فقط في البرامج والوسائل. المثير للسخرية أن البعض من غير المحافظين لدينا، يعيشون كطفيليات على زاد المحافظين، فيدورون حول منهجهم ويفتون فيه، وهم لا يمتلكون أدواته ولا فلسفته ولا أبعاده لغرض نقضه. يخيل إلى القارئ المتأمل أنه لو انقرض المحافظون فإن البعض من غير المحافظين لن يعيشوا في هذه الحياة إلا كالسائبة، فقد أضاعوا وقتهم كطفيليات ليس لها غاية ولا هدف غير امتصاص الكائنات المتلطية فيها، فبموتها ستموت. كلنا نعي وندرك أن للمحافظين لدينا أخطاء، وربما بعضها كارثية، لكن أين الرؤى الأخرى البديلة غير رؤى الطفيليات؟