عاطف آل حارب لا شك أن لمواقع التواصل الاجتماعي أهمية كبرى، بل أصبحت تشكل جزءاً أساسياً من حياتنا في هذا العالم، وقبيل أيام وأثناء تصفحي لأحد المواقع الإخبارية قرأت دراسة بريطانية مفادها ب"أن من يمسك بهاتفه الجوال لأكثر من ساعة أو ساعتين يُعد من المرضى نفسيا"، ومن خلال تجربتي الطويلة في عالم مواقع التواصل الاجتماعي اكتشفت أنه ساحة خيال كبيرة للهروب من واقع مرير لدى البعض .. رأيت فيه أناساً "كالملائكة" على هذه الصفحات، ولكنني عندما اقتربت منهم اكتشفت غير ذلك .. فأيقنت أن هذه المواقع ما هي إلا عالم فسيح وبيئة خصبة للهروب من عالم حقيقي وواقع قاس ومؤلم لم يستطع فيه بعض الناس التأقلم والتكيف مع ظروفه المختلفة وما قدّره الله لهم فولجوا إلى هذه المواقع ليبتعدوا أو يريحوا أنفسهم بعض الوقت من الآلام والضغوطات النفسية، وذلك من خلال العيش أو التعايش بشخصية جديدة ومختلفة تبدو مثالية أمام الناس، فلا يعرفها أو يكتشفها أحد إلا عند الاقتراب الشديد والتغلغل والتعمق بأدق تفاصيلها. ومن هنا بات عندي شك بأن عدداً من الناس في هذا العالم وفي مجتمعنا بشكل خاص يعانون أمراضاً نفسية مختلفة تدفعهم إلى انتهاج هذا النهج والمكوث فترات طويلة في هذا العالم الافتراضي، حيث يظهرون فيه مرتدين أقنعة ووجوها غير التي عهدناها عليهم. ومن ناحية أخرى بدأت أتساءل وأقترح في نفسي وأقول لم لا نعطي أنفسنا وقتاً أو يوماً بلا مواقع تواصل ؟! فهل نحن قادرون على ذلك؟َ مما لا شك فيه أن هذه المواقع والبرامج والتطبيقات المختلفة أصبحت تشكل جزءاً مهما من حياتنا اليومية كما أسلفت، وتشغل حيزاً كبيراً من الفراغ الموجود الذي ما عاد فراغاً بعد انتشارها، بل إن الوضع أخطر من ذلك بكثير، فلقد أصبحنا نمسك بهواتفنا أثناء ممارسة أنشطتنا اليومية في أوقات العمل وأوقات تناول الطعام وحين نقود السيارة مع الأسف الشديد، مما بات يهدد حياتنا وحياة غيرنا بالخط. بسبب تلك البرامج والمواقع نشأت أجيال منفصلة عن مجتمعها، فدخلت عليهم ثقافات وقيم غريبة تهدد أمن المجتمع الفكري وتوشك أن تودي بالأجيال القادمة، وأصبح الحب والمودة والمشاعر بين الناس "شيئا افتراضيا وإلكترونيا"، فهل من علاج أو سبيل للتخلص من هذه الظواهر والسلوكيات أو على أقل تقدير التقليل منها؟.