زيلينسكي: علينا محاولة إنهاء الحرب العام المقبل    ضيف الرأي: الفنانة التشكيلية مروة النجار    إطلاق مركز (Learning Hub) للتعامل مع التهديدات الصحية المعقدة    المربع الجديد استعرض مستقبل التطوير العمراني في معرض سيتي سكيب العالمي 2024    «سلمان للإغاثة» يوزّع 175 ألف ربطة خبز في شمال لبنان خلال أسبوع    مصرع 10 أطفال حديثي الولادة جراء حريق بمستشفى في الهند    يدعوان جميع البلدان لتعزيز خطط العمل الوطنية    استمرار تشكل السحب الممطرة على جازان وعسير والباحة ومكة    سوق بيش الأسبوعي.. وجهة عشاق الأجواء الشعبية    مهرجان صبيا.. عروض ترفيهية فريدة في "شتاء جازان"    اكتشاف مخلوق بحري بحجم ملعبي كرة سلة    وظائف للأذكياء فقط في إدارة ترمب !    تركيا.. طبيب «مزيف» يحول سيارة متنقلة ل«بوتوكس وفيلر» !    زيلينسكي يقول إن "الحرب ستنتهي بشكل أسرع" في ظل رئاسة ترامب    ترامب ينشئ مجلسا وطنيا للطاقة ويعين دوغ بورغوم رئيسا له    إسبانيا تفوز على الدنمارك وتتأهل لدور الثمانية بدوري أمم أوروبا    "أخضر الشاطئية" يتغلب على ألمانيا في نيوم    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على تراجع    نيوم: بدء تخطيط وتصميم أحياء «ذا لاين» في أوائل 2025    مركز عتود في الدرب يستعد لاستقبال زوار موسم جازان الشتوي    "سدايا" تنشر ورقتين علميتين في المؤتمر العالمي (emnlp)    اختتام مزاد نادي الصقور السعودي 2024 بمبيعات قاربت 6 ملايين ريال    "الشؤون الإسلامية" تختتم مسابقة القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة في غانا    منع استخدام رموز وشعارات الدول تجارياً في السعودية    نجاح قياس الأوزان لجميع الملاكمين واكتمال الاستعدادات النهائية لانطلاق نزال "Latino Night" ..    لجنة وزارية سعودية - فرنسية تناقش منجزات العلا    الأمير محمد بن سلمان.. رؤية شاملة لبناء دولة حديثة    منتخب مصر يعلن إصابة لاعبه محمد شحاتة    أمير تبوك يطمئن على صحة مدني العلي    ابن جفين: فخورون بما يقدمه اتحاد الفروسية    بعثة الاخضر تصل الى جاكرتا استعداداً لمواجهة اندونيسيا    القوات الجوية السعودية تختتم مشاركتها في معرض البحرين الدولي للطيران    جدة تشهد أفراح آل قسقس وآل جلمود    إحباط تهريب 380 كيلوجرامًا من نبات القات المخدر في جازان    القمر البدر العملاق الأخير    تركي آل الشيخ يعلن القائمة الطويلة للأعمال المنافسة في جائزة القلم الذهبي    خطيب المسجد النبوي : سنة الله في الخلق أنه لا يغير حال قوم إلا بسبب من أنفسهم    خطيب المسجد الحرام: من ملك لسانه فقد ملك أمرَه وأحكمَه وضبَطَه    "الخبر" تستضيف خبراء لحماية الأطفال من العنف.. الأحد    ليس الدماغ فقط.. حتى البنكرياس يتذكر !    أمريكا.. اكتشاف حالات جديدة مصابة بعدوى الإشريكية القولونية    وزير الحرس الوطني يستقبل وزير الدفاع البريطاني    «قمة الرياض».. إرادة عربية إسلامية لتغيير المشهد الدولي    الخرائط الذهنية    مدارسنا بين سندان التمكين ومطرقة التميز    في أي مرتبة أنتم؟    الشؤون الإسلامية بجازان تواصل تنظيم دروسها العلمية بثلاث مُحافظات بالمنطقة    باندورا وعلبة الأمل    خالد بن سلمان يستقبل وزير الدفاع البريطاني    أمير تبوك يطمئن على صحة مدني العلي    البصيلي يلتقي منسوبي مراكز وادارات الدفاع المدني بمنطقة عسير"    وصول الطائرة الإغاثية السعودية ال 23 إلى لبنان    بحضور الأمير سعود بن جلوي وأمراء.. النفيعي والماجد يحتفلان بزواج سلطان    أفراح النوب والجش    استعراض جهود المملكة لاستقرار وإعمار اليمن    استعادة التنوع الأحيائي    كم أنتِ عظيمة يا السعوديّة!    إضطهاد المرأة في اليمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المثقفون بين عالم واقعي وآخر رقمي
هل تحولت الأبراج العاجية إلى عوالم افتراضية
نشر في الرياض يوم 30 - 12 - 2010

منذ عقود.. وإن شئت قلت منذ قرون، والمثقفون يسكنون في منظور مجتمعاتهم الواقعية أبراجا عاجية.. وما أن أخذت التقنية العصرية تمد حول تلك الأبراج شبكاها العنكبوتية، وإلا وقد اتخذ المثقفون والمثقفات من أليافها البصرية ممرات ومسارات انسلوا من خلالها إلى مجتمعات افتراضية حول العالم..إذ لم يعد هناك من ينتظر قطار الأيام لاكتشاف نجوم مبدعة هنا أو هناك..أو الالتقاء بمثقف قبيل الرحيل.. أو بعد عمر طويل..
وبين مجتمع المثقف الواقعي، وعالمه الافتراضي، امتزج بينهما تعايش مع ما أصبح من مألوف الحياة اليومية بين قطبين لا تكافؤ بينهما، فعالم المثقف الافتراضي بدأ بمجرد استخدام وقضاء أوقات الفراغ، إلى حياة مجتمعية عبر عالم أخذ يلقي بظلال خصائص مجتمعه الثقافية على المثقفين ومنتجاتهم الإبداعية..
الدكتورة سميرة الغامدي، أشارت إلى أن كل مجتمع متطلباته العصرية، وإلى أن العصر الحالي لا اختلاف على إيقاعه المتسارع الذي أحذ يفرض وجوده ثورة تكنولوجية وانفجارا رقميا متنام، جعلنا نتواصل مع ما حولنا مع العالم بضربة زر.
د. سعد الزهري: المثقف اليوم يملك مقومات التواصل المباشر مع العالم
وقالت سميرة عن مد التقنية الافتراضي: لقد استطاعت الثورة الرقمية أن تغير طبوغرافية المجتمعات ، مما يجعلنا نلاحظ تأثيراتها ومتغيراته الاجتماعية بشكل مستمر، الأمر الذي جعلها جزءًا لا يتجزأ من ممارساتنا الحياتية اليومية، التي تحولت بمرور الوقت إلى ممارسات ومن عادات أصبحت شائعة في حياتنا الاجتماعية، ولو أردت أن أضرب مثلا يسيرا لهذا، لوجدنا الكثير من الأمثلة الحية، إلا أن ما أصبح شائعا على معايداتنا - مثلا - لبعض عبر الوسائط الرقمية المختلفة، مثال حي على ما أحدثته التقنية في ثقافة المجتمع وممارساته، إذ حلت رسالة عبر البريد الإلكتروني أو الهاتف الجوال بدلاً من الزيارات الاجتماعية التي كانت مترسخة في ثقافة المجتمع وسلوكياته..ومع هذا فأنا لست ضد هذه التقنيات، لكني ضد عزلتها على مختلف مستوياتها.
سعود السويداء
وعن عمق المشكلة الذي أخذ يتغلغل في ثقافتنا الاجتماعية ذكرت الغامدي، بأن لدينا مشكلة اجتماعية، مردها غياب بعدين ثقافيين يشكلان في الوقت ذاته إشكالية كبيرة، الأولى منطلقها غياب الاعتدال في التعاطي مع مد هذه التقنيات، وثانيهما يتمثل في قصور التوعية وسطحية الوعي بالاستخدامات الإيجابية للوسائط الرقمية المختلفة.. ولافتة النظر إلى أن مصنعين الافتراضي لديهم توازن في استخداماته لم يفصلهم بشكل مؤثر عن مجتمعاتهم الواقعية.
وفيما يشكله المجتمع الافتراضي من وجهة هروب وملاذ عزلة، تلقي بظلالها على الجوانب النفسية ومن ثم فيما قد يلامس منها بوعي أو بدون قصد منتج المثقفين، أوضحت سميرة بأن السبب الرئيس في اعتبار هذا العلام ملاذا ومهربا، مرده عدم قدرتنا على التعبير، ولأننا لا نعرف كيف نواجه قضايانا الحياتية المختلفة، مما يجعل الهروب إلى المجتمعات الافتراضية أشبه ما يكون قناعا يعيش المنعزلون عبرها خلفه..مشيرة إلى أننا لا نمكن أن نعمم رؤية تشاؤمية تجاه المجتمع الافتراضي عبر الشبكات الاجتماعية من الفيس بوك وغيره، إذا ما تأملنا ما حققته من سعة تواصل وانتشار بين الناس بسرعة وسهولة أينما كان، مؤكدة على أننا من الطبيعي أن نعيش هذا العالم بتلقائية طبيعية، نتيجة التقدم المذهل في التقنية ، التي يجب أن يكون وعينا بأساليب استخدامها بشكل إيجابي، من منطلق يقوم على توازن روحاني مرده الصورة الطبيعية المتوازنة بين ما نعيشه في مجتمعنا، وبين ما أصبح ضمنها من مجتمع افتراضي..مختتمة حديثها بأن العالم الافتراضي يظل مرتبطاً بصورة المثالي الجميل، أمام تلاشي مثاليتنا ، وإلى أن الوعي بقيمة الأشياء وكيفية التعامل معها، والتوازن في استخداماتها ربما لا يتحقق بشكل كاف، إلا أنه مع هذا يظل دعائم هامة للتعايش بين قطبي الواقعي والافتراضي.
د. سميرة الغامدي:لابد من التوعية بالاستخدامات الإيجابية للوسائط الرقمية المختلفة
من جانبه وصف القاص والروائي حسن الشيخ، اغتراب المثقف وهروبه للعوالم الافتراضية ، بأنها علّة قديمة جديدة ، مشيرا إلى أن الكاتب يكتب مالا يفهمه القارئ ، والقارئ يطالب بنتاج إبداعي ليس متوفرا عند الكاتب، لنكتشف جذور الاغتراب بوصفها ظاهرة قديمة ليست من إفراز الحضارة المعاصرة .
ومضى الشيخ قائلا: من نافلة القول إن (المثقف) ليس مختصا فقط بمن يكتب القصيدة أو القصة، فللمثقف مفهومه الشامل ، كما للثقافة مفهومها الشامل المتمثل بكل النتاج الحضاري الفكري للأمة، إذن شعور المثقف – وعلى امتداد العصور – انه خارج التاريخ ، وخارج الشبكة الاجتماعية ، دفعه للمزيد من العزلة الثقافية، وهذا الشعور المتعاظم عند المثقف بالعزلة والتهميش دفعه للعزلة والاغتراب عن واقعه الفعلي المعاش، فالإشكالية ليست فيما يكتبه المثقف فقط . بل الإشكالية فيما يفهمه المثقف ، من علاقات فكرية وحضارية وإنسانية ، تحكم المسيرة الحياتية وتحكم التاريخ .
وأضاف الشيخ بما أن ظاهرة الاغتراب ليست حديثة، إلا أن اغتراب المثقف اليوم له أشكال ، وأنماط ، وأساليب جديدة. عطفا على نرجسية المثقف القديمة والشعور بالتفوق، مستشهدا عبر التاريخ بنماذج كسقراط ، والمتنبي ، والمعري ، وطاغور تنطبق عليهم بصدق مقولة اغتراب المثقف.. لتكون بهذا أسباب غربة المثقف عديدة ، متمثلة في عدم فهم الشبكات الاجتماعية ، والأنساق الحضارية بين أفراد المجتمعات . مما يولد الشعور لديه بأنه خارج التاريخ ، وخارج المنظومة الاجتماعية نفسها .
وعما وصفه الشيخ بالمكاشفة عن هذا البعد، ذكر بأن هناك إخفاقا ثقافيا ، اوجد عزلة بين المبدع والمتلقي، وساهم في عزلة المثقف، إلى جانب الرهاب الاجتماعي الذي سيطر على المثقف ،مما أحاله إلى سجين يجتر إبداعه مرة تلو الأخرى .
حسن الشيخ: العالم الافتراضي أوجد عزلة بين المبدع والعالم الحقيقي وخلق شيئاً من الرهاب الاجتماعي
وعلى صعيد تحول المثقفين عن عالمهم الاجتماعي واستبداله بافتراضي عصري، أكد الشيخ إنه مما زاد من غربة المثقف وضاعف عزلته، مما يجعله بعد ذلك معتنقا لسياق ثقافي، ينعكس على إبداعه الفكري عامة، لنجد المثقف مخاطبا لمتلق مجهول، مواصلا الكتابة للمتلقي الالكتروني اللاهث وراء كل إثارة وجديد، بغض النظر عن الإبداع الحقيقي .. مؤكدا على أنه ورغم كل ذلك، لابد وأن نجد نماذج عبر عالمها الافتراضي والواقعي جديرة بالاحترام في الوسط الثقافي المحلي .
أما سعود السويداء، فقد وصف تأثيره العالم الافتراضي على المبدع، بأنه مما يمكن رؤية ايجابياته بسهولة، نتيجة لما نجده من وفرة قنوات التعبير الواسعة للمبدع، التي لم تكن متاحة له من قبل، إذ لم يعد مقيدا بثلاث أو أربع منابر نشر كما في السابق.. مشيرا إلى ما وفره العالم الافتراضي من فرصة الاطلاع على مكتبات ضخمة من كل أنحاء العالم، والتي تغدو مقارنتها بالكتب المتاحة في الثمانينات والتسعينات ضربا من المقارنة المحزنة.
وقال السويداء: لقد استفاد المبدع عبر عالمه الافتراضي من هامش الرقابة المتاح افتراضياً ككاتب وكقارئ، وبالطبع كانت هناك فرصة الاحتكاك والتواصل مع مبدعين من أجيال مختلفة وهو ما كان متعذراً في السابق.. واذكر على سبيل المثال، شكوىً متكررة من نقاد المرحلة السابقة أن المبدعين يقرؤون الكتب ذاتها وهو ما يجعل التجارب الإبداعية متشابهة، وهي تهمة لم يعد ممكناً إطلاقها الآن وإن طُرحت فليس للسبب ذاته بالتأكيد.
كما أكد السويداء على أن العالم الافتراضي استطاع رفع الفضاء الافتراضي للسقف الثقافي عالياً أمام المبدع، وعلى أنه لم يعد منتظرا من المثقف أن يكتب شيئا مختلفاً عن وسطه المحلي فقط، ولقارئ محدود الاطلاع ومنخفض التوقعات، لكونه أصبح يكتب لقارئ واسع الاطلاع على كل آداب العالم، وعلى أحدث ما يكتب في كل مكان، ممثلا على هذا بأنه لم يعد ممكناً أن يعيد إنتاج أدب أمريكا اللاتينية ً بتغيير أسماء الأماكن فقط كما يحدث كثيراً.
سعود السويداء: العالم الجديد يحقق التواصل مع مبدعي العالم والاطلاع على جميع المكتبات العالمية
وعن الأثر على الكتابة الإبداعية، ذكر السويداء بأنه لما تتضح تداعياته بعد، مشيرا إلى أن الروايات التي كتبت بحبكة افتراضية أو ضمن فضاء افتراضي.. هي ابسط مظاهر هذا التغيير الذي يرى أنه يطال جوهر فهمنا للأدب ودوره، والذي يعاد ضمن اتساع المجال الثقافي شاملا العالم بأكمله، معيدا طرح مختلف قضايانا بما فيها من أصالة وخصوصية ومعاصرة بحماس جديد.. مشيرا إلى أنه يمكن - أيضا -ً ملاحظة الاهتمام الواسع ليس فقط بترجمة آداب العالم إلى العربية، لكونه موجوداً طيلة القرن العشرين، وإنما بالانشغال بالتحديد في ترجمة آدابنا إلى لغات العالم وهو ما يعكس هاجساً لم يكن موجوداً مثلا عند الأجيال السابقة من الأدباء.
واختتم السويداء حديثه قائلا: ثمة تهديد تتعرض له التقاليد الأدبية ذاتها؛ بين النخبوي والشعبي وبين الأجناس الأدبية الراسخة وبين الحدود اللغوية - لنتذكر الكثير من النصوص الأدبية التي تحتوي على أكثر من لغة في كتابتها على سبيل المثال - وإزاء هذه الخلخلة ، تظهر تيارات التمرد في أدب القرن العشرين كالسريالية و ما دعي بأدب (العبث) شديدة الرصانة ، نوع من المعارضة الموالية.. مشيرا إلى أن هذه أمثلة لبعض التحديّات التي يواجهها المبدع اليوم ضمن الشروط التي فرضتها الحالة الجديدة للعالم الافتراضي، والتي اعتبرها السويداء بأنها بعض الافتراضات التي نقرأ هذا النوع من الأدب من خلالها.
وإذا ما كنا نعيش حقا غربة ثقافية متنامية في الشبكات الاجتماعية، عبر وسائط عالمها الافتراضي.. وبين ما يمكن أن يكون مرده الخوف من الجديد المذهل للتقنية في هذا الجانب، أشارت الدكتورة ثريا العريض بأنها لا تعتقد أنه خوف من التقنية، معللة ذلك بأنه كل من يستخدم العالم الافتراضي كالمنتديات والفيسبوك و التويتر سرعان ما يتعلم المهارات التقنية و اللغوية المطلوبة لاستخدامه بمرونة تتحول إلى براعة بعد امتداد التجربة زمنيا.
د. ثريا العريض
ووصفت العريض هذا البعد عبر انتقاء مقربين مفضلين، لا فرق بينهم و بين معارف و أصدقاء العالم الحقيقي، والذين يتقبل وجودهم في وجوده، ممثلة على هذا بتقبل جبران مي عبر تبادل الرسائل المتبادلة كتابيا.. موضحة بأنها مسألة تقنيات كلها مستجدة تحملنا في نفس التوجه الذي استمر مع تغير تقنيات التواصل الإنساني فكريا من النحت في الحجر إلى النقش في ألواح الطين إلى الكتابة و الرسم بالطباشير على ألواح ثم سبورات ثم أوراق مكتوبة و مطبوعة بحركة الأصابع على آلة الطباعة .. وصولا إلى تآخينا مع التقنيات المتطورة التي أخذتنا عبر الشبكة والتسجيلات المنقولة صوتا و صورة .. موضحة إلى أنه من هذا المنطلق، بأنها تنظر إلى جسور هذا العالم الافتراضي بأنها مجرد مواصلة في نفس اتجاه الرغبة، لمزيد من التعبير والتواصل و الحوار الفكري و الإبداعي الإنساني.
د. ثريا العريض: عبر الفضاء الرقمي يتم التقاء النخب المماثلة ثقافيًا وفكريًا وتتقارب توجهاتها إلى درجات كبيرة
وعن امتدادات الغربة الافتراضية التي يطرق عالمها المثقفون قالت ثريا: المثقف نخبوي بالطبع وقد يبدو غريبا أو مغتربا باختياره عن المألوف السائد في المجموع العام، لكونه مختلفا عنهم في بعض تصرفاته و أفعاله وطريقة تفكيره .. ربما بسبب اتساع مرجعيته المعرفية.. وربما بسبب فوضويته كأسلوب حياة اختاره شخصيا، و لكنه يظل يحتاج من يتحاور معه خاصة من يحمل له ردود فعل التلقي لإبداعه، ولذا لا أرانا كمثقفين نعيش غربة ثقافية عبر الشبكات الاجتماعية بل نحلق في فضاءات أوسع مدى مما كان ممكنا قبل عشر سنوات، وقد تضيف في بعض الحالات السلبية لاستخدام الشبكات أنها تتيح أن يزحف البعض في شبكة وحول افتراضية أشد سوء من وحل واقعي.
وفيما يتعلق بجوانب هذا الاغتراب الذي يمتد عبر فضاء خارج عالمنا الواقعي لتظل افتراضية متزايدة يوما بعد آخر، وصولا إلى ممرات بمثابة مفترق الطرق الافتراضية، والتي يأتي على أول مفترقاتها الهروب من عالم الواقع إلى عالم رقمي مفتوح.. وصفت العريض بأن هذا العالم يظل العالم الأوسع والفضاء المليء بملايين البشر، الذين يمكننا انتقاء الالتقاء بمن نشاء منهم و التفاعل معهم.. مشيرة إلى أن هذا اللون من التلاقي الافتراضي يتخذ – أيضا - التقاء النخب المماثلة ثقافيا وفكريا وتتقارب توجهاتها إلى درجات كبيرة، لكونها نخبا تفهم مصطلحات التخصص وتشترك في نفس الاهتمامات المتخصصة، سلبية كانت أو إيجابية.. علميا أو تقنيا أو إبداعيا أو سياسيا.
د. سميرة الغامدي
وذكرت ثريا في حديثها، بأننا متى ما عنينا بعالمنا الافتراضي كمثقفين اللجوء إلى انتقاء مجموعة صغيرة نرتاح إلى تبادل الرأي معها و تبادل المرئيات في شتى شؤون الثقافة بشفافية لا تتيحها العوالم المفتوحة للجميع.. أو كنا نعني بهذا العالم الوصول الإعلامي - بما تظنه إبداعات المثقفين جيدها، والأخرى المتفردة لاستعرض أدوات التميز أمام ملايين البعيدين الذين لا تتيح لنا حركتنا الحياتية، وحضورنا اليومي الاعتيادي اليومي الوصول إليهم..فإنها تأتي جميعا أهداف ذاتية متعددة بتعدد شخصيات واحتياجات المستخدمين.
وعن تجربة العريض عبر عالمها الافتراضي قالت: شخصيا دخلت الفيسبوك في البدء لمجرد الفضول لاستكشف شيئا جديدا، فاكتشفت فيه مجالا رائعا للتواصل المباشر مع الآخرين، واكتشاف إبداعاتهم الخاصة وتعليم بعضهم متعة الحوار الحضاري مع الغير، مما جعلني أتأمل عبر هذا العالم – أيضا - إبداع الله في خلقه حين خلق عالما مليئا بالتعددية وجوانب الاختلاف، مع الاحتفاظ بقدرة قطع الصلات مع المتجاوزين، ممن يتحولون إلى مصدر إزعاج لا مصدر تنام في الوعي.. مشيرة إلى أنها ربما أدمنته كمجال للحوار المفتوح، لتبادل الآراء ليس فرديا، بل لمتعة استثارة التفكير الجماعي، و بناء الوعي الثقافي و فتح فضاءات قدرة التفكير والتأمل التي لم تلتفت إليها سنوات من التعليم التلقيني السلبي على كراسي الدراسة.. ربما ولدت بروح معلمة، وقلب أم مشرع للمساعدة – و أنا لا أدري..
واختتمت ثريا الحديث عن تجربتها عبر هذا العالم، بأن لديها اليوم على صفحاتها الشخصية و الصفحتين - اللتين أسسهما لي معجبون- قرابة سبعة آلاف اسم من الجنسين عبر العالم العربي و الغربي، تتواصل مع نسبة مختصرة منهم بصورة شبه يومية.. مضيفة بأن بعضهم اخترق حاجز الافتراضية المكتوبة للكلام المسموع بصورة شخصية، واصفة معظم أفراد هذا العالم الافتراضي من حولها، بأنهم أفراد في حالات من الشعور بالحاجة للمساعدة النفسية بشكل خاص.. مؤكدة أنها عندما فقدت التواصل مع هذا العالم الافتراضي لسبب تقني لمدة يومين، بأنها افتقدت كل ذلك العالم الذي تحول إلى جزء هام من فضاء تنفسها اليومي.. والذين بادلوها المشاعر ذاتها رغم قصر انقطاع التواصل الذي لم يتجاوز يومه الثالث.
أما الرئيس الأسبق للاتحاد العربي للمكتبات والمعلومات الدكتور سعد الزهري، أن العالم الافتراضي بما يتميز به من إتاحة المناخ الأرحب للتواصل، فقد ذكر بأنه من يعود لتاريخ التقنية خلال الأربعين عاما الماضية، سيجد إرهاصات لبعض الرؤى الاستشرافية التي تنبأ بها علماء التقنية وعلماء المعلومات والمكتبات، والذين رأوا ببصيرتهم ما يمكن أن يعبر عن بعض مكنونات ما نعيشه اليوم في المشهد الثقافي الافتراضي.
وقال الزهري عن هذا البعد الاستشرافي الذي تنبأ به الباحثون منذ عقود: أذكر باحثا تنبأ في العام 1962 بأن (مكتبات العام ألفين لن يكون بها أوراق وكتب ورقية، وإنما ستكون شاشات وأزرار؛ كما لن تكون هناك خدمات معلوماتية وإنما أجهزة تستجيب بالصوت والصورة لمن يتعامل معها). وليت ذلك العالم كان بيننا اليوم ليشهد هو –أيضا- أن كثيرًا من رؤاه تتحقق، وربما أكثر حتى من رؤاه.. هذا إذا ما بدأنا الحديث بشكل عام عن التقنية الافتراضية، وأريد أن أشير هنا إلى أننا عندما نتحدث عن إفادة المثقفين منها، فيمكن القول بأن التقنية هيأت مناخات كبيرة وواسعة للمثقفين للتواصل مع شرائح مختلفة محلية وخارج حدودهم، ولربما تعتبر هذه أكبر ميزة قدمتها التقنية للمثقف اليوم، حيث أمكن للمثقف أن يجعل له موقعا بأي صيغة كانت سواء أكان موقعا خاصا وعاديا (أي بنطاق مستقل ) أو من خلال الخدمات الكثيرة والمتنوعة مثل الفيس بوك أو تويتر أو المدونات أو غيرها ليصل إلى المجتمع والأفراد الذين يمثلون له الجمهور المستهدف).
حسن الشيخ
وفي جانب ما يشكله العالم الافتراضي من وجهة للمثقفين، نتيجة لما يجدوه فيه من سمات ومقومات جاءت بديلة لما كان يواجه المثقف من عقبات، ذكر الزهري بأن الوضع السابق الاجتماعي كان صعبا مثقلا بالعوائق، إذ كان يتوجب على المثقف نشر كتب ورقية، أو من خلال النشر الصحفي ليصل لجمهوره، مما كان يتطلب وقتا، إضافة إلى ما يكون من أشخاص غيره أيضا في الوسط بين المثقفين وبين الجمهور، سواء في حلقة النشر أو في نقاط التوزيع..مشيرا إلى أن المثقف اليوم وبكل بساطة ويسر يملك مقومات التواصل المباشر مع العالم أجمع.. مستدركا في حديثه بأنه من المهم الاستدراك والقول بأن كثيرا من المثقفين اليوم لا يزالون بعيدين عن التقنية، ويتحدثون عنها كمعرفة مقروءة لا كتجربة، وذلك من خلال استخدام التقنية بوسيط شخصي، ممثلا لذلك على أن منهم من يعتمدون على غيرهم في البريد الالكتروني والتواصل الالكتروني بوجه عام.. واصفا هؤلاء بأنهم لا يزالون يعيشون في الماضي، ومؤكدا على أن التقنية التواصلية في حياة المثقفين أيا كان جيلهم تحول إلى مطلب أساس لمن يريد منهم أن يتجاوز عقبات التواصل بينه وبين الجماهير.
وقال الزهري: في مقاربة مع الماضي، حيث كانت جماعة أبولو تصدر حواراتها وكانت مجلتها هي المناخ الذي من خلاله تتم الحوارات، نجد اليوم أن مثقفا في أي مكان بالعالم يمكن له أن يتجاور ويناقش مع مختلف المثقفين متجاوزا كل الحدود.. لا أريد أن أفرط في التفاؤل حيث لا تزال هناك كثير من السلبيات لا يتسع المجال للتطرق إليها في هذه العجالة، ولكن مجمل القول إن العالم الافتراضي اليوم جميل وسبر أغواره أجمل، لمن يملك بعض المهارات في التعامل مع التقنية ويملك (الحس) في فنيات البحث والتنقيب الملاحي في الفضاء الالكتروني.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.