حراك ثقافي واجتماعي.. تقاطعات ومسارات وأنساق متعددة تتفاعل مع بعضها في كل الاتجاهات.. ترصد وتتابع وتحلل وتسهم في تشكل الرأي العام.. تتكون خلال فضاءاتها الرحبة نخب جديدة تعبر عن المجتمع الافتراضي الموازي للمجتمع الحقيقي. كل هذا يحدث في ساحة تويتر؛ موقع التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت. مراقبون يرون أنه أنعش المشهد المحلي على الأصعدة كافة، منها ما هو ثقافي، ومنها ما هو خلافه من رياضي واجتماعي واقتصادي...إلخ. لكنهم يبرزون عدة أسئلة؛ من هي هذه النخب؟ ما مدى تأثيرها على أرض الواقع؟ هل يتجاوز حراكها حدود العالم الافتراضي أم هي مجرد فقاعة؟ كيف تختلف هذه النخب الجديدة عن النخب القديمة؟ عبد العزيز الحيص الكاتب في الجزيرة نت والباحث في المركز العربي للأبحاث والدراسات السياسية يقول ل " الوطن" : عند الحديث عن تويتر تكتسب مفردة "نخبة" بعدا جديدا مختلفا عن التعريف التقليدي للمفردة. المتعارف عليه أن النخبة تحتكر نوعا من المعرفة أو الهيمنة ولديها القدرة على فرضها أما في العالم الافتراضي، مع هامش الحرية الواسع فتلغى القدرة على الاحتكار والتوحد بالوصاية، والنخب الجديدة أقرب إلى منبع منتج يتفاعل الناس معه وينهلون منه. في السابق مع النخبة التقليدية، كان المتلقي أشبه بالتابع، حيث تفرض عليه المعلومة والمعرفة والطريقة مع ضيق حيز التفاعل والمشاركة أمامه، أما في تويتر فالمتلقي أشبه ما يكون بالزبون إن توقف أمام شيء فهو يفعله اختيارا، لأنه صاحب رأي في المشاركة والتفاعل أوالتغيير. ويرى الكاتب سعود كابلي أن خصوصية مواقع التواصل الاجتماعي كتويتر أنها شارع باتجاهين تؤثر في الرأي العام وتتأثر به وهذه العلاقة الثنائية الاتجاه تسمح للمتلقي أن يؤثر في النخبة بنفس المقدار الذي تؤثر هي به على عكس الحال سابقا، حيث كانت العلاقة بين النخبة والمتلقي علاقة باتجاه واحد. يؤكد البعض على قدرة نخب تويتر على التأثير في الرأي العام ودفعه باتجاهات محددة بينما يراهن آخرون على محدودية التأثير وعدم تجاوزه حدود العالم الافتراضي. الجدل في هذه النقطة مستمر والدلائل التي تدعم هذين الرأيين موجودة، خصوصا مع غياب دراسات علمية أكاديمية جادة لاتجاهات الرأي العام ومدى تأثرها بنخب تويتر. تصف الإعلامية منى سراج تويتر بأنه محصلة لآرائنا الشخصية و يمثل ردة فعل المجتمع على قضاياه لا أكثر، والدليل أن أيا من القضايا التي حركتها نخب تويتر لم تحل نتيجة لحراكها. يقول سعود كابلي: في هذا الجانب هناك تأثير في طور التشكل لهذه النخب الجديدة إلا أن طرحها يشوبه الكثير من الرومانسية في الوقت الحاضر وهي بحاجة لمزيد من الارتباط بتفاصيل الحلول على الأرض لما تطرحه من مشاكل حتى يكون لحراكها تأثير حقيقي. على الطرف الآخر يدلل عبدالعزيز الحيص على قوة تأثير النخب الجديدة على أرض الواقع بحالات لكتاب معروفين أقدموا على الاعتذار والتراجع عن آراء إثر انتقادات شديدة على ساحة تويتر، كما أجبرت إحدى شركات الألبان على التراجع عن رفع أسعارها على خلفية حشد للمقاطعة عبر تويتر بالإضافة إلى العديد من الردود التفاعلية بين كتاب الصحف وناشطين في تويتر. بينما تختلف المدونة والناشطة الاجتماعية سفانة سجيني مع ما سبق بقولها إن ما يطرح في تويتر لا يتجاوز العالم الافتراضي و ما هو إلا فقاعة صابون كبيرة في بدايتها فارغة من الداخل وتنفجر بلا صوت، باختلاف أطرها و ظروف تشكلها دائما ما توجه للنخب تهم بالفوقية والانعزال والبعد عن الناس، فهل تمكنت نخب تويتر من تجاوز هذه الاتهامات؟ إذ يذهب عبدالعزيز الحيص إلى أن علل وأمراض النخب الجديدة تختلف نوعا ما عن النخب التقليدية، لكن خصوصية تويتر تكمن في فضاءاته المفتوحة التي تتعدد فيها الخيارات، فالعلل والمسارات السلبية من الممكن تهميشها بسهولة لتتضاءل وتتلاشى بصورة طبيعية. ويضيف: ما يميز تويتر هو انقلابه على المفهوم الكلاسيكي للنخبة من خلال وجود مساحة لأشخاص غير معروفين قبل تويتر وتمكنهم من التأثير على الرأي العام، فاليوم تتشكل ثقافتنا عبر أصوات واسعة وغير محدودة من مختلف طبقات وفئات وأجناس المجتمع، وهذا سيترك أثرا ثقافيا هائلا دون شك، مستشهدا بمقولة للمفكر الأميركي نعوم تشومسكي الذي قال إن الشباب الناشط في الستينات في أميركا نجحوا في تغيير الثقافة الأميركية مع أنهم لم ينجحوا في تغيير المؤسسات، بينما ترى سفانة سجيني أن النخب القديمة والمشاهير من كتاب الصحف ومقدمي البرامج ما زالوا هم المتربعين على عروش الإعلام الجديد. الجدل بشأن تويتر ونخبه ومدى تأثيرها في أرض الواقع مستمر دائما، إلا أن الثابت في الأمر أن تويتر أصبح رافدا مهما لتشكيل و رصد الرأي العام، وأرضية خصبة لتشكيل نخب جديدة تواكب تطلعات الأجيال الشابة. يلزمنا العديد من الدراسات الأكاديمية العلمية الجادة لرصد اتجاهات الرأي وربط حراكها الافتراضي بالنتائج الفعلية على أرض الواقع لدعم وترسيخ هذه النخب الجديدة وإعطائها مساحة أوسع ومقدرة أقوى على التأثير، حيث إن وجودها في الرحاب الافتراضي وحده مهما عظم سيجعل حراكها محدودا، فعلى الرغم من تنامي عدد مستخدمي الإنترنت تبقى لدينا شريحة كبيرة من الناس لا يتعاطون مع العوالم الافتراضية. و لما كان من أهم أسباب تشكل النخب الجديدة هو بعد النخب القديمة عن الناس واحتكارهم للمعرفة والحقيقة يصبح لزاما عليها أن تخرج من الافتراضي إلى الواقعي لضمان أكبر تأثير ممكن.