دعا أكاديميون إلى إيجاد خطة استراتيجية لتطوير الدراسات العليا، واستقلال الجامعات، وربط دعمها بخطة التطوير، وتحويل الدراسات العليا إلى مدفوعة التكاليف، وعدم معاملتها مثل البكالوريوس. وأوصى الأكاديميون المشاركون في ندوة "الوطن" حول الدراسات العليا ومخرجاتها في الجامعات السعودية، بدعم الابتعاث بين الجامعات، وزيادة مراكز البحث العلمي المرتبطة بخطط التصنيع، ومنح هذه المراكز حق منح الشهادات العليا. وبينما طالبت الندوة بربط العمل بالمهن، ومنها مهنة التعليم بشهادات مهنية، وليست شهادات دراسات عليا، وتطوير هيئات متخصصة للشهادات المهنية، وإعادة هيكلة الجامعات وفق قواعد الحوكمة العالمية، اتفق الأكاديميون على ضرورة إيجاد ضوابط للقبول في الدراسات العليا والنواحي المالية الداعمة لها، وتوفير بنية تحتية للدراسات العليا في الجامعات، وتوسيع دائرة الشراكة بين المؤسسات العلمية والجامعات السعودية وفق ما يخدم البحث العلمي. بعد أن أبرزت الحلقة الأولى للندوة التي نظمتها "الوطن" عن الدراسات العليا ومخرجاتها في الجامعات السعودية، آراء عدد من الأكاديميين حول وضع المستوى التعليمي للدراسات العليا ومخرجاته، تستكمل "الوطن" أبرز ما جاء في الندوة وما خرجت به من توصيات يمكن لها أن تضع اللبنة الأولى على طريق تطوير الدراسات العليا، لتسهم بشكل أكثر فاعلية في بناء تنمية بشرية، ضمن منظومة العمل الكبيرة لخطة الدولة التنموية الشاملة، والنهوض بمستويات القيمة العلمية لهذه الدرجات.
الجامعات السعودية ناشئة أكد أستاذ التاريخ الإسلامي المشارك بجامعة الملك خالد الدكتور سعد الحميدي، أن الجامعات السعودية لا تزال تحت تصنيف جامعات ناشئة، ورأى أن الأرقام التي تضمنها التقرير الذي نشرته "الوطن" لا تشكل مشكلة، وقال: إننا بحاجة كما يبدو إلى تطوير العملية التعليمية، فربط الجامعة بسوق العمل يحولها إلى أشبه بمراكز تدريب مهني، لأن الجامعة هي مراكز علمية تُعنى بدراسة التعليم بجميع فروعه، تربوية وهندسية وغيرها من العلوم، والدراسات التربوية ليست مشكلة ولكنها ظاهرة لأنها نتاج الواقع. وأضاف: علينا أن نعترف بأن جامعاتنا لا تزال تحت تصنيف جامعات ناشئة قياساً بجامعات عالمية كثيرة، لكنها حاولت أن تخدم الوطن حسب قدراتها، ويجب أن يكون هناك نوع من التوازن. وأتصور أن هناك مشكلة تتمثل في إدارات الجامعات، بسبب عدم وجود مرجعية تنظيمية وضوابط يتبعونها لمعرفة أدوارهم وتكليفاتهم في العمل، وأشار إلى أنه ومن تجربته السابقة حينما تولى شؤون المكتبات في جامعة الملك خالد -وهو ليس تخصصه- بحث عما يشير إلى وجود آلية عمل أو ما يفيد في تأسيس المكتبات فلم يجد شيئاً!، مبيناً أنه ذهب إلى معظم الجامعات السعودية لاستقصاء الأمر، فلم يجد سوى كتابات إنشائية باهتة وفقيرة معرفياً، ولم يجد تنظيماً دقيقاً سوى في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن مستعاراً من جامعة أميركية.
التصنيف أضر بالعملية التعليمية أستاذ التربية الإسلامية بجامعة الملك خالد الدكتور صالح أبوعراد، قال إن النسب التي تضمنها تقرير "الوطن"، ليست صادمة فهي دليل على الواقع، وهي في الوقت ذاته دليل ارتفاع وعي وانتشار ثقافة، والأفضل أن يكون لدينا عدد كبير من حاملي شهادات دكتوراه وماجستير على هذا المستوى، أفضل من أن يكونوا جهلاء، فقد تسبب لنا الجهل في مشكلات كثيرة من ضمنها الإرهاب. وتوقع الدكتور أبوعراد أن هناك ما يبرر ارتفاع هذه النسبة، عطفاً على زيادة عدد السكان وزيادة عدد الجامعات وبرامجها المتاحة، مبيناً أن الجامعات تقدم خدمة للمجتمع، وليست مسؤولة عن توفير الوظائف للخريجين ولكنها تؤهلهم، مؤكدا أن هذه الأرقام لا يمكن أن نصدر من خلالها أحكاماً قاطعة، مهما كانت الدراسة موثقة من مصادر معتمدة. وبين أستاذ التربية الإسلامية أن انخفاض نسب تخريج التخصصات العلمية التطبيقية، ناتج عن عدم توافر هذه النوعية وارتباطها بالجانب المهني المثقل بالشروط، وقال: لا أطالب باختبارات الكفاءة والقياس، لكن أرى أن تكون هناك ضوابط في القبول، وبنية تحتية للدراسات العليا في الجامعات، وأظن أن هذه النسب ستبقى في ظل تسابق الجامعات خلف ما يُعرف بالتصنيف العالمي للجامعات، وأين موقع جامعاتنا في الترتيب، في تصنيفات تجارية لا نفع منها، وقد أضرت بالعملية التعليمية في جامعاتنا. أوضح الدكتور أبو عراد أن القيادات في الجامعات لا تُقدم على ضوء الكفاءة، ولا وفق معايير معينة تراعي الأفضلية والنوعية، بل تأخذ المنحى العاطفي تحت شعارات –التجديد، إتاحة الفرصة، الدماء الشابة-، مهملة الخبرات، وهو أمر يعيق الوعي والقوة الإدارية، وربما نجني ثمارها لاحقاً بما لا يسر. الالتزام بلائحة الشروط شدد الدكتور أحمد طاهر مبارك على ضرورة الالتزام بضوابط وشروط اللائحة الموحدة للدراسات العليا في الجامعات السعودية، والمحافظة على جودة برامج الدراسات العليا وعدم الخضوع لضغوط المجتمع في قبول أعداد كبيرة في هذه البرامج، ومنح الجامعات استقلالية وضع خططها وبرامجها، إضافة لإيجاد خطة وطنية شاملة استراتيجية للدراسات العليا بما يتوافق مع خطط التنمية الوطنية، وبما يسهم في وضع للمشكلات التي تواجه المجتمع.
تأهيل القيادات اقترح الدكتور صالح أبو عراد عددا من النقاط لحل مشكلة نقص الخبرة لدى القيادات الشابة في الجامعات، وهي: 1 - عقد ندوات لمناقشة جوانب هذا الموضوع، مصحوبة بورش عمل تقدم رؤى كفيلة بحل الإشكالات الموجودة. 2 - تكثيف العناية والاهتمام ببرامج الابتعاث الداخلي بين الجامعات السعودية لما في ذلك من دعم وتشجيع للرقي بمستوى الدراسات العليا. 3 - عدم الانجراف خلف ما يُسمى بالتعليم الإلكتروني في ظل الظروف الحالية، التي لا يتوافر فيها تقديم هذا النوع من التعليم بصورة إيجابية. 4 - العمل على إعادة النظر في من يتولى المسؤولية الإدارية القيادية في الجامعات، وعدم إهمال عامل الخبرة عند اختيار القيادات في الجامعة. قلة الأعضاء المتخصصين أرجع أستاذ الدراسات العليا بجامعة الملك خالد الدكتور محمد ربيع مدخلي، السبب في ضعف الجانب العلمي، لقلة أعداد الأعضاء المتخصصين من السعوديين، متوقعاً أن يغطي المبتعثون هذه الفجوة مستقبلاً. وأضاف: غياب مراكز البحث العلمي في جامعاتنا التي تصلح لأن تكون مظلات لمثل هذه الدراسات المتخصصة في البحث العلمي، هو ما أدى إلى الضعف الحالي في جانبها، أضف إلى ذلك ضعف شراكة جامعاتنا مع الجامعات الخارجية المتقدمة، وعلينا أن ننظر في ضوابط قبول طلاب الدراسات العليا في الجامعات، وفي النواحي المالية الداعمة لها. وأشار إلى أن هناك جوانب مشتركة للحديث عن الدراسات على جانبي الضعف والقوة، وقال: لدينا عدة جهات تتمثل في (طالب دراسات عليا – أكاديمي – إدارة الدراسات العليا – جامعة – وزارة التعليم - المجتمع)، تدخل في محددات الضعف والقوة، إضافة إلى ركائز في ظل المبادئ والأنظمة. وتساءل الدكتور مدخلي عن عدم تطبيق أكثر اللوائح التنظيمية في الجامعات السعودية، مبيناً أن هناك قيادات إدارية عليا لم تجرب العمل الأكاديمي، فكان تنظيرهم عبئاً على التعليم العالي والدراسات العليا، وغياب النظام الخاص بالمناقشات العلمية، أنتج لنا مخرجات ليست صحيحة. ورأى إيقاف الدبلومات العالية، لأنها من وجهة نظره مضيعة للوقت، ولا يُستفاد منها بالشكل المطلوب، خاصة في التخصصات النظرية، وإعادة نظام لوائح المناهج ليتواءم مع متطلبات سوق العمل، من خلال إيجاد مندوبين بين الوزارة والجامعات لعمل تنسيق في احتياج سوق العمل.
توصيات الندوة خرجت الندوة بعدد من التوصيات لتطوير الدراسات العليا بما يسهم بشكل أكثر فاعلية في بناء تنمية بشرية، إذ طالب الدكتور محمد آل عباس بإيجاد خطة تطويرية شاملة للتعليم في المملكة، واستقلال الجامعات وربط دعمها بمدى دعمها لخطة التطوير، وتحويل الدراسات العليا إلى مدفوعة التكاليف، وعدم معاملتها مثل البكالوريوس، إضافة لدعم الابتعاث بين الجامعات، وزيادة مراكز البحث العلمي المرتبطة بخطط التصنيع، ومنح هذه المراكز حق منح الشهادات العليا. كما طالب بربط العمل في المهن ومنها مهنة التعليم بشهادات مهنية وليس شهادات دراسات عليا، وتطوير هيئات متخصصة للشهادات المهنية، وإعادة هيكلة الجامعات وفق قواعد الحوكمة العالمية "وضع مرجعية عالية لذلك".
قياس حركة التعليم أكد الدكتور أحمد آل مريع أن حل مشكلة الدراسات العليا في إيجاد مرجعية لقياس حركة التعليم والحكم على مخرجاته يتطلب: 1 - الدعوة إلى إيجاد مرجعية محددة لقياس نشاط التعليم بصورة شاملة، يشترك في وضعها عدد من مؤسسات البحث "اقتصادية – سياسية – تربوية – تنموية" ووزارة التخطيط، وهو ما يسهم في إيجاد مرجعية قياس حركة التعليم وتحديد وجهته، ومراجعة مسيرته، والحكم على مخرجاته وتخصصاته، وتعديل ما يحتاج إلى تعديل، كما يساعد على وضع استراتيجية مقترنة برؤية محددة تراعي التحديات وتحقق مشروعه الوطني للدولة. 2 - تحديد أهداف واضحة للتعليم العالي، توجهها خارج إطار مفهوم التعليم "النظري" إلى التعليم "التدريبي"، الذي يوجه إلى تطوير أداء الفئات التي على رأس العمل مثل المعلمين، ويطور قدراتهم المعرفية خارج فكرة الدراسات العليا النظرية المباشرة. 3 - فحص معايير الجودة والاعتماد، وليست مجرد أدوات مصنوعة وأوراق غير متحققة في الواقع الجامعي. 4 - تعميم معايير الجودة على الهيئة التعليمية جميعها، وعدم التوجه إلى تطبيقها ضمن حلقة فقط، فيكون ذلك بدءاً من المدخلات والقياس والفصول وعدد الطلاب ومعدلاتهم وساعات التدريس ومؤهلات أعضاء التدريس والتدريب. 5 - تعزيز الرقابة مع حفظ الحقوق ومراعاة الواقع.
معايير جودة لافتتاح البرامج أشار الدكتور عمر آل مشيط إلى أن غياب الخطط الاستراتيجية للتعليم العالي يجعلها في مأزق مستمر، مؤكداً أن الدراسات العليا للمميزين وليست للبرستيج، وطالب بوضع معايير "جودة عالية" لافتتاح برامج الدراسات العليا لرفع جودة المخرجات، وإيجاد خطة استراتيجية ذات أهداف واضحة للدراسات العليا في وزارة التعليم، تلتزم بها كل الجامعات السعودية، وتوزيع برامج الدراسات العليا حسب وطبيعة كل جامعة "لا تكون برامج الدراسات العليا في الجامعات نسخة عن بعضها البعض"، وضرورة وضع خطة للتنوع حسب الاحتياج العام، واستقلال هيئة الاعتماد الأكاديمي عن وزارة التعليم العالي.
الاهتمام بالبحث العلمي أوصى الدكتور علي الشعبي بإعادة النظر في لائحة الدراسات العليا، ووضع خطة استراتيجية للدراسات العليا تتفق مع متطلبات المملكة مستقبلاً، التي ستقوم على تنوع مصادر الدخل الوطني، والاهتمام بالبنية التحتية للبحث العلمي لضمان نجاح الدراسات العليا، وربط دعم الجامعات بالاعتماد الأكاديمي الوطني أو العالمي، وربط الدراسات العليا وبالذات المجالات العلمية بحل مشكلات التنمية.
إعادة صياغة اللوائح شدد الدكتور سعد العثمان على ضرورة إعادة صياغة لوائح التعليم العالي، والالتزام بالأنظمة وعدم الخضوع للضغوط الاجتماعية، ووضع خطة استراتيجية للتعليم العالي، والتفريق بين سوق العمل أو الوظيفة وبين الدراسة للتخصص، وإصدار قرارات سيادية لكل جامعة باستحقاقها لإنشاء الدراسات العليا، ومراجعة برامج الجامعة في الدراسات العليا، والتركيز على الاعتماد الأكاديمي للجامعات السعودية.
إيقاف التعليم الموازي بين الدكتور سعد الحميدي أن الاعتماد الأكاديمي يمكن أن تؤخذ منه ضوابط مميزة لعمل إدارة الجامعات، وإدارات الكليات والأقسام بحيث تكون ذات جودة مميزة يقاس أداء الأفراد وفق تلك الضوابط، وكذلك قياس أداء إدارات الجامعات وعمادات الكليات والأقسام العلمية والشعب الدراسية. وطالب الدكتور الحميدي بضرورة التركيز على الدراسات العليا ابتداءً لضخ كوادر ذات كفاءة عالية لخدمة الأقسام العلمية بالجامعة، وإيقاف التعليم الموازي فعليا، إضافة لتشجيع التخصصات العلمية التقنية والصناعية والابتكارات.
ضوابط لقبول الطلاب طالب الدكتور محمد مدخلي بإيجاد آلية جديدة ومنظمة ومفيدة للدراسات العليا وتطوير أنظمتها، والاهتمام بأعضاء هيئة التدريس السعوديين المميزين لسد النقص داخل الأقسام العلمية في الجامعات السعودية، وتفعيل وتطوير البحث العلمي أمام الطلاب وأعضاء هيئة التدريس في الدراسات العليا، وضرورة طباعة البحوث الأكاديمية السعودية والاستفادة منها لطلاب الدراسات العليا بدلاً من المذكرات القرطاسية المكررة، إضافة إلى إيجاد ضوابط القبول للدراسات العليا حتى يُستفاد من المخرجات العلمية لها، وتوسيع دائرة الشراكة بين المؤسسات مع الجامعات السعودية وفق ما يخدم البحث العلمي.