وصف الكاتب والأكاديمي الدكتور عبدالرحمن الحبيب مفهوم "الحداثة السائلة" بأنها طريقة في الحياة يتم خلالها إعادة تشكل مستمرة للعالم الحديث بطرق سريعة ومتقلبة وشكاكة ومجازفة. وقال: إذا كانت هذه الحداثة تمثل المرحلة الحالية في تطور المجتمع الغربي، إلا أنها امتدت للعالم كله منتجة نظاما عولميا تحفز عبر هوس اضطراري وإدماني على إعادة اكتشاف العالم، مستشهدا بوصف "باومان" الذي شخص 5 تطورات مترابطة أدت للانتقال إلى الحداثة السائلة، هي: الدولة الوطنية، العولمة الرأسمالية، التقنية الإلكترونية، المخاطر الأمنية، تنامي الهجرة عبر العالم. وكان الحبيب يتحدث مساء أول من أمس في ندوة "الحداثة السائلة.. إعادة تشكل العالم" التي أقامتها الحلقة الفلسفية بالرياض، حيث أشار إلى أن أهم خصائص "الحداثة السائلة" على المستوى الفكري هي أنها "قوضت قيم عصر التنوير بأن المعرفة العملية ستحل المشكلات الطبيعية والاجتماعية، وعلى المستوى الاقتصادي أصبح شائعا إعادة هيكلة الشركات وترادف معه عدم الاستقرار الوظيفي وتراجع أدوار دولة الرفاه. المترفون هم الرابحون بين الحبيب أن الاقتصاد انتقل من إنتاجي إلى استهلاكي نتيجة تحلل البنى الاجتماعية "الوظيفة، الدولة، العائلة"، ما أحدث تغيرا جذريا في تحديد الهويات الشخصية. حيث لم تعد الهوية الشخصية قائمة على التعريف الاجتماعي السابق بل أصبح متوقعا من الأفراد أنفسهم القيام بمهمة خلق الهوية، ما شكل معضلة ودائرة لا حدود لها في سؤال الذات والتفتيش عنها بطريقة تؤدي إلى مزيد من تشويش الفرد، مؤكدا أن الحداثة السائلة أنتجت هويات سائلة حيث تشير هذه الحداثة أساسا إلى مجتمع العولمة الذي يعاني من الشك وعدم الاستقرار. رابحون وخاسرون ويضيف الحبيب "ثمة رابحون وخاسرون في الحداثة السائلة، سياح ومتسكعون حسب تعبير باومان، يرى باومان أن الناس المنتفعين من ميوعة الحداثة السائلة هم أفراد محظوظون يتمتعون بامتياز اجتماعي يمكنهم من الطواف بحرية حول العالم. هؤلاء المترفون "السياح" يوجدون في الزمان أكثر من المكان، بمعنى أنهم خلال سهولة وصولهم للتكنولوجيات القائمة على الإنترنت وسهولة الترحال فهم يستطيعون واقعيا وافتراضيا التجوال في كل أنحاء العالم والعمل في الأماكن التي يكون بها الاقتصاد مزدهرا ومستوى المعيشة عاليا. على نقيضهم سيئو الحظ "المتسكعون" الذين لا يستطيعون التحرك أوهم خاضعون للتحرك الإجباري ومحرومون من ثقافة الاستهلاك. هؤلاء حياتهم إما ناشئة في مواقعهم حيث البطالة عالية ومستوى المعيشة سيئ أو يجبرون على مغادرة أوطانهم كلاجئين اقتصاديا للبحث عن عمل، أو استجابة لتهديد الحروب والاضطهاد. وهم غير مرحب بهم في أي مكان يستقرون به لمدة طويلة".