هل تتوقف الحرب بين إسرائيل وحزب الله    وزير المالية : التضخم في المملكة تحت السيطرة رغم ارتفاعه عالميًا    مناقشة معوقات مشروع الصرف الصحي وخطر الأودية في صبيا    11 ورقة عمل في اليوم الثاني لمؤتمر الابتكار    تكريم المشاركين بمبادرة المانجروف    محافظ الطائف يرأس إجتماعآ لمناقشة خدمات الأوقاف    أمير منطقة تبوك يستقبل الرئيس التنفيذي لشركة المياه الوطنية    «السلمان» يستقبل قائد العمليات المشتركة بدولة الإمارات    اكتمل العقد    دوري يلو: التعادل السلبي يطغى على لقاء نيوم والباطن    حملة على الباعة المخالفين بالدمام    4 فرق طوارئ إسعافية    «الخريجي» يشارك في المؤتمر العاشر لتحالف الحضارات في لشبونة    بلاك هات تنطلق في ملهم بمشاركة 59 رئيس قطاع أمن السيبراني    أهمية الدور المناط بالمحافظين في نقل الصورة التي يشعر بها المواطن    خادم الحرمين الشريفين يتلقى رسالة خطية من أمير دولة الكويت    جمعية «الأسر المنتجة» بجازان تختتم دورة «تصوير الأعراس والمناسبات»    رئيس «اتزان»: 16 جهة مشاركة في ملتقى "التنشئة التربوية بين الواقع والمأمول" في جازان    وزير الشؤون الإسلامية: ميزانية المملكة تعكس حجم نجاحات الإصلاحات الإقتصادية التي نفذتها القيادة الرشيدة    زيارة رسمية لتعزيز التعاون بين رئاسة الإفتاء وتعليم منطقة عسير    المؤتمر الدولي للتوائم الملتصقة يناقش تحديات إعادة ترميم الأعضاء وتغطية الجروح    مركز صحي سهل تنومة يُقيم فعالية "الأسبوع الخليجي للسكري"    "موهبة" توقع 16 اتفاقية تعاون ومذكرة تفاهم لرعاية الموهوبين    الخريف يبحث تعزيز التعاون المشترك في قطاعي الصناعة والتعدين مع تونس وطاجيكستان    "سلمان للإغاثة" يوقع مذكرة تفاهم مع مؤسسة الأمير محمد بن فهد للتنمية الإنسانية    سموتريتش يدعو مجدداً إلى تهجير نصف سكان غزة    نائب وزير الدفاع يرأس وفد المملكة في اجتماع الدورة ال 21    نوف بنت عبدالرحمن: "طموحنا كجبل طويق".. وسنأخذ المعاقين للقمة    أمانة الشرقية : تطرح فرصة استثمارية لإنشاء مركز صحي لعلاج حالات التوحد والرعاية الفائقة    محافظ الخرج يطلق مبادرة "أنا سعودي"    مسؤول إسرائيلي: سنقبل ب«هدنة» في لبنان وليس إنهاء الحرب    السجن والغرامة ل 6 مواطنين.. استخدموا وروجوا أوراقاً نقدية مقلدة    هيئة الموسيقى تنظّم أسبوع الرياض الموسيقي لأول مرة في السعودية    الجدعان ل"الرياض":40% من "التوائم الملتصقة" يشتركون في الجهاز الهضمي    ترمب يستعد لإبعاد «المتحولين جنسيا» عن الجيش    حقوق المرأة في المملكة تؤكدها الشريعة الإسلامية ويحفظها النظام    الطائرة الإغاثية السعودية ال 24 تصل إلى لبنان    حرفية سعودية    استمرار انخفاض درجات الحرارة في 4 مناطق    ظهور « تاريخي» لسعود عبدالحميد في الدوري الإيطالي    «التعليم»: حظر استخدام الهواتف المحمولة بمدارس التعليم العام    بايرن وسان جيرمان في مهمة لا تقبل القسمة على اثنين    النصر يتغلب على الغرافة بثلاثية في نخبة آسيا    حكايات تُروى لإرث يبقى    «بنان».. جسر بين الماضي والمستقبل    وزير الخارجية يشارك في الاجتماع الرباعي بشأن السودان    ألوان الطيف    محمد بن راشد الخثلان ورسالته الأخيرة    من أجل خير البشرية    الكرامة الوطنية.. استراتيجيات الرد على الإساءات    خسارة الهلال وانتعاش الدوري    زاروا المسجد النبوي ووصلوا إلى مكة المكرمة.. ضيوف برنامج خادم الحرمين يشكرون القيادة    القتال على عدة جبهات    الأمير محمد بن سلمان يعزّي ولي عهد الكويت في وفاة الشيخ محمد عبدالعزيز الصباح    نوافذ للحياة    5 حقائق من الضروري أن يعرفها الجميع عن التدخين    «مانشينيل».. أخطر شجرة في العالم    أمير منطقة تبوك يستقبل القنصل الكوري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تصدير الثورة بشعار حماية المستضعفين

ما إن استقر الحكم لدى ملالي إيران، عقب نجاح ثورة الخميني، حتى بدؤوا في البحث عن سبل لتصدير تلك الثورة إلى دول الجوار، كمدخل أساسي للسيطرة عليها، ورفع في سبيل ذلك كثير من الشعارات الزائفة، مثل حماية المستضعفين، وغيرها.
كانت البداية من لبنان، حيث تحولت السفارة الإيرانية إلى بؤرة تجسس لسلخ الشيعة عن مجتمعهم، وركز الخمينيون على اختراق منظمة أمل التي كانت تجمع الشيعة، وحاولوا شق صفها، وعندما لم ينجحوا لجؤوا إلى إنشاء حزب الله، ووفروا له مستلزمات العمل العسكري. وسرعان ما اندمج الحزب الجديد في حروب مع معظم مكونات المجتمع، لقناعته بأن الحالة الثورية لا تستمر إلا من خلال الحرب.
بدأ فريق تصدير الثورة، الذي يؤمن بأن تصديرها هو أحد سبل حمايتها من الداخل، التفكير في السبل الآيلة لحماية النظام، وعمل على خطين متوازيين: الأول يقول بالبحث عن أحزاب إسلامية متطرفة، شيعية كانت أم سنية، تخضع للقيادة الإيرانية. والثاني يرى أهمية العمل على إنشاء منظمات شيعية مسلحة، يكون ولاؤها خالصاً للنظام؛ ولاء يحتم عليها القيام بوظائف أساسية، كإشغال أعداء الثورة الإيرانية ونظامها عن أي اعتداء قد يطالها، ومنع أي تدخل قد يحصل في شؤونها.
الخميني، الولي الفقيه آنذاك، دعم هذه النظرية، وراح يقول بأن للثورة الإيرانية دوراً عالمياً يتمثل في قيادة المستضعفين في الأرض، باعتبارها، أي الثورة، النموذج الثوري الإسلامي الوحيد في العالم، مما يجعل تصديرها واجباً دينياً يعكس أهدافاً سياسية وعسكرية، تتلخص في دعم الحركات الإسلامية، عبر تقديم المساعدات المالية والعسكرية، بالإضافة إلى التدريب العسكري والتلقين العقائدي والثقافي لهذه الحركات، وعدم الاكتفاء بالدعاية الخارجية للثورة.
وعلى هذه الأساس، بدأ النظام الإيراني مشروع ربط الأقليات الشيعية في العالمين العربي والإسلامي بالثورة والولي الفقيه، ومن ضعف من السُّنة، فتارة كانت محاولة الربط هذه عبر فتنة مختلقة "الخمينيون ضد الشورى في أفغانستان ولاحقاً أمل وحزب الله في لبنان"، أو عبر تطبيع مع الثورة ومبادئها وتصوراتها ومشروعها العام.
في عام 1982، وفي لبنان، الأكثر أهمية لإيران من حيث الموقع الاستراتيجي، تحولت السفارة الإيرانية في بيروت إلى ما يشبه قيادة أركان، وظيفتها، سلخُ اللبنانيين الشيعة عن اجتماعهم الوطني، ودمجهم في بنية إيرانية محضة، عبر محاولة اختراق جسد منظمة "حركة أمل"، المسيطرة حينها على المناطق الشيعية. يومها، كان هدف الاختراق هذا، إحداث تخل شيعي كامل ومنسق عما كان قد تبقى آنذاك من مرجعية وطنية.
فشلت السفارة في إحداث اختراق كامل في صفوف "أمل"، يكون على قدر طموح مشروعها المرسوم، فقررت إحداث شرخ داخل هذا التنظيم، متعاونة في ذلك مع أحد مسؤولي المنظمة، آنذاك، حسين الموسوي الذي يعمل حالياً كنائب عن حزب الله في البرلمان اللبناني، وأخذ الموسوي على عاتقه إحداث هذا الشرخ عبر الانسحاب من "أمل"، مع نفر قليل من مؤيديه وتأسيس منظمة "أمل الإسلامية". إلا أن تلك الخطة فشلت، بعدما تبين أن الأخيرة لم تقدم للإيرانيين ما هو على قدر الطموح، فعمدت إلى الانتقال لخطة بديلة تقول بضرورة إنشاء تنظيم عسكري يغلب عليه طابع الاستقلالية عن حركة أمل ولو في التسمية، فأسست ما سمي ب"حزب الله"، وأمنت له كل مستلزمات العمل الثوري والجهادي، معتمدة في ذلك على قسم من رجال الدين، وجناح المتطرفين الذين كانوا قد استقالوا من حركة أمل، ومعاينة مباشرة من الحرس الثوري.
إذاً، تم تأسيس "حزب الله"، وتأمين كل مستلزمات العمل الثوري والجهادي له. ومع بدء وصول المدد العسكري والمادي له، راح بعض مؤسسيه يؤكد تدخل كل الأجهزة الإيرانية في تحديد الدور الوظيفي لهذا الحزب، عبر القول صراحة إن "الأجهزة الإيرانية كافة، من حوزات قم، إلى حرس الثورة، إلى وزارة الداخلية، تسهر على الشأن اللبناني، وتعمل رأيها فيه، وإن الأساس في لبنان بالنسبة إلينا أن يبقى ساحة وموقعاً للصراع مع إسرائيل. إن الإسلام في أن يكون لبنان كذلك".
التساكن بمستلزماته الهشة
شكّل اتفاق الطائف النهاية الفعلية للحرب الأهلية اللبنانية، إلا أنه، ولعوامل كثيرة، منها داخلية ومنها خارجية، لم يستطع إلا تأمين عودة نظرية للدولة، التي، وبحسب الاتفاق نفسه، كان عليها أن تستوعب اندراج "المقاومة" فيها، أي اندراج الجناح العسكري لحزب الله فيها. إلاَّ أنَّ الذي حصل، وبفضل وصاية النظامين الإيراني والسوري، وقوة الحزب وتمسكه بمشروعه المرسوم، هو اندراج الدولة في المقاومة، لا العكس. هكذا، انتهى الأمر بحرمان الدولة، بل قل بمنعها من أي ولاية على حزب الله، وقبولها به سلطة قاهرة غالبة، وقبولها بسلاحه أداةَ تطويعٍ وتخويف للمواطنين، ووسيلة قتل وتنكيل ومعاقبة وتعبئة للرؤوس والألسن. كل هذا، أسس لاستحالة حصول تعايشٍ بشروطه الطبيعية بين مشروعين نقيضين.
وهنا، ولحل هذه الأحجية، لا مانع من أن نسوق، في مسعى متواضع، إلى توضيح المقاصد والمعاني لهذا التساكن الهش، أو الانفصال الذي بدأ وما زال قائماً بين المشروعين، أي مشروع الدولة ومشروع حزب الله. لعل انفصال الحزب، بما يمثل من ذراع استراتيجية للنظام في إيران، عن الدولة، لم يكن مصادفة تاريخية لها شروطها السياسية، بل جوهراً ثابتاً وتلقائياً، أي مؤسساً في الأصل على استقلال مطلق في الأمن والإيديولوجيا والسياسة والثقافة والاجتماع والاقتصاد والفهم والسلوك والعادات.
هذا على الأقل، ما تقوله التراكمات التاريخية التي تكونت منذ تأسيس "حزب الله"، التي تتمثل واقعاً وحقيقة في الضاحية الجنوبية لبيروت، التي عاشت، بل كانت مسرحاً، إلى جانب الجنوب اللبناني، لتراكم أمني وسياسي واجتماعي ونفسي وثقافي واقتصادي صارا من خلاله أمراً واقعاً، أي "دويلة واقعة"، تستعصي على التجاهل، حتى وإن كانت استبدادية ومتخلفة وصغيرة الحجم والثروة، وعديمة المستقبل.
حزب الله وحروبه العبثية
إذاً، بدأ "حزب الله"، بدعم إيراني صريح وواضح، قتال إسرائيل، ولكن سرعان ما اكتشف أن الحالة الثورية التي هو ركيزتها، والمجتمع الجهادي الذي هو عماده، تتهددهما أخطار تتعدى الحالة الإسرائيلية، لتصل إلى كل شيء في الداخل اللبناني. وعليه، بدأ مخطط الهجوم على كل شيء، فقام حزب الله بضرب القوات المتعددة الجنسيات عام 1983، وأصاب منهم مقتلاً كبيراً، فما كان من هذه القوات إلا أن انتقلت إلى موقع الدفاع، قبل أن تنسحب من لبنان.
واستمر ذات المشهد، لقناعة الحزب ومن ورائه النظام الإيراني، بأن الحالة الثورية لا تستطيع العيش إلا من خلال الحرب على العدو العام، أي كل مخالف، تماماً كما في إيران، وأن الحرب وحدها، هي الكفيلة بتوسيع الحالة الإيرانية بعد ولادة معقلها. فوراً، بدأت محاربة كل أحد، من العدو الإسرائيلي إلى القوات المتعددة الجنسيات إلى جيش العميل لحد، إلى الجيش اللبناني، وحركة أمل، والفلسطينيين، والحزب الشيوعي اللبناني، وقوات حفظ السلام الدولية، وكثيرين غيرهم.
تطويع بعض اللبنانيين الشيعة
في أواخر ثمانينات القرن الماضي، خرجت مظاهرة في جنوب لبنان، وتحديداً في صور، المدينة الساحلية ذات الأغلبية الشيعية، تطالب النظام الإيراني بسحب حرسه الثوري من لبنان، أي "حزب الله"، واصفة هذا النظام بأنه وإسرائيل، وجهان لعملة واحدة.
أدرك الحزب، الخارج لاحقاً منتصراً من حربه مع منظمة "أمل"، بأن الانتصار لا يصير ناجزاً، إلا عبر تحقيق شرط آخر، هو، تطويع الشيعة في لبنان. وفوراً، ذهب الحزب إلى تطبيق آليات معقمة بإيديولوجيا محنطة، مدركاً بأن تغلغل العقيدة الجاهزة، وتأثيرها في سلوك الناس سياسياً، وثقافياً، ونفسياً، واجتماعياً، يحتاج إلى رافعة دينية. ولأجل هذا، جنَّد الحزب، بدعمٍ إيراني، مجموعة كبرى من رجال الدين، للعمل ليل نهار، على إنتاج عقليات لا تستطيع أن تتلقى سوى عقائد الاضطهاد ومشاهد المأساة.
بعد عقود من بذل جهد ثقافي استثنائي، نجح حزب الله في جذب مجموعة من اللبنانيين الشيعة، لا يُستهان بعددها، واستطاع أن يحولها إلى مجموعة متحدة تبحث عن كينونة خاصة بها، حالمة بمشروعين، الأول يقول بانفصالها عن الآخرين المختلفين في لبنان، والثاني يقول باتصالها مع باقي المستضعفين في الأرض، ب"دولة العدل الإلهي".
هكذا، ومن خلال هذه الآلية التي حولت هذه المجموعة الشيعية إلى مجموعة تابعة، خرج حزب الله، الذي يصفه أمينه العام الحالي، حسن نصر الله بأنه "أكبر بكثير من الطائفة التي ينتمي إليها مناصروه، وأكبر من أي طائفة أخرى، بل هو أكبر من أي كيان سياسي قائم"، وأن "أهداف مشروعه لا تنتهي عند حدود لبنان مع فلسطين"، خرج مرتاحا إلى الدائرة الأوسع، أي إلى "المجموعات المضطهدة" الأخرى في العالمين العربي والإسلامي، واستطاع، وبدعم مالي وسياسي إيراني هائل، وجهد ثقافي استثنائي، لا أن يروج لنفسه فحسب، بل أن يزرع بذوراً لعقائد سياسية حزبية ومذهبية ضيقة في العالمين العربي والإسلامي، لم تنتج، حتى الآن، إلا مزيداً من عدم الاستقرار.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.