فيما احتدم النقاش بين أعضاء مجلس شورى مؤيدين ومعارضين لمشروع الوحدة الوطنية الذي أسقط في آخر جلسة للمجلس قبل حلول شهر رمضان، علمت "الوطن" من مصادر مطلعة، أن المجلس تلقى في العامين الأخيرين نحو تسعة مبادرات من أعضاء ومتابعين لدعم المشروع وخروجه إلى النور. وقالت المصادر إن مقدمي المقترحات لم يتلقوا أي رد من المجلس، سواء الاهتمام أو الشكر أو إبداء الرأي أو الملاحظة على المقترحات، لافتة إلى أنه يبرز من ضمن المشاريع المقدمة والمعطلة تحت أروقة المجلس، مشروع استراتيجية حماية الوحدة الوطنية الذي تقدم به رئيس المركز العربي للأبحاث والدراسات القانونية، الدكتور هادي علي اليامي. ويرى اليامي في تقديمه لمقترح مشروع الاستراتيجية أن يرتكز على أن الدين الإسلامي الحنيف عقيدة وشريعة ومنهج حياة هو الركيزة الأساسية التي تحكم الاستراتيجية منطلقات وأهدافاً ووسائل وآليات، وأن حماية وتعزيز الوحدة الوطنية تكتمل وتتحقق بأفضل صورها من خلال استمرار التلاحم بين القيادة والشعب كأهم الضمانات لتحقيق الأهداف الوطنية النبيلة، وأن جميع أشكال التمييز والمس بالوحدة الوطنية تعرقل مسارات وخطط التنمية المستدامة، ودراسة صور وأشكال مبتدعة للمس بالوحدة الوطنية، دراسة مستفيضة ومراجعة شاملة وتقييماً متواصلاً للتشريعات والأنظمة والبرامج والتدابير الضرورية والعاجلة لمواجهتها، واحترام القيم الروحية والتمسك بالمثل العليا والتسليم بحق كل إنسان في الحياة الحرّة الكريمة هي منطلقات أساسية في بناء المملكة وتطوير المجتمع السعودي نحو الأفضل، وأن جميع أفراد المجتمع السعودي أمام القانون سواء لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات، وهم يمارسون حقوقهم النظامية ويلتزمون بمصلحة الوطن العليا وأخلاقيات العمل الوطني وتعزيز وحدتهم الوطنية والتلاحم مع قيادتهم. وتهدف الاستراتيجية التي قدمها اليامي إلى تحصين المجتمع السعودي من خلال مبادئ الشريعة الإسلامية، والقيم الأخلاقية والتربوية الأصيلة، وحماية الوحدة الوطنية، ومكافحة الحض على الكراهية بكل أشكالها وصورها، وتعميق المواطنة الصادقة والتلاحم بين أفراد المجتمع، وتكريس روح وقيم المواطنة الحقة بين كل شرائح المجتمع ومكوناته من خلال سياسات قائمة على تحقيق مبدأ العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص والحوار البناء الهادف بين جميع أفراد المجتمع، وتعزيز وتعميق مظاهر الانتماء الواعي للوطن وقيادته، وتحقيق التسامح والتآلف والتواد والتراحم بين أبناء المجتمع السعودي كالجسد الواحد، بعيداً عن الممارسات السلبية كالعصبية القبلية والمناطقية والمذهبية، والإسهام في تعزيز ودعم الجهود العربية والإقليمية والدولية المبذولة في مجال مكافحة خطاب الكراهية. وتشتمل الاستراتيجية على مجالات ومقومات عديدة، من أهمها وضع قانون لحماية الوحدة الوطنية، يستمد من أحكام الشريعة الإسلامية السمحة، والنظام الأساسي للحكم وقيم وعادات المجتمع السعودي الأصيلة، والمعاهدات الدولية بهذا الشأن، وتحديثه أولاً فأولا، وإنشاء هيئة وطنية لحماية الوحدة الوطنية، توضع لها أهداف ومهمات تقوم من خلالها بالتخطيط والإعداد لمتابعة تنفيذ هذه الاستراتيجية ورصد نتائجها وتقويمها ومراجعتها، ووضع برامج عملها وآليات تطبيقها، وتعزيز أوجه العدالة الاجتماعية وتعميق واحترام مبادئ حقوق الإنسان، وتكافؤ الفرص ومحاربة الوساطة والمحسوبية واستغلال النفوذ، حفاظاً على مشاعر المواطنين وعدم استفزازهم أو نفورهم أو إثارتهم واستغلالهم من قبل مروجي الفتنة والطائفية والجهوية، وتنمية روح الانتماء عند الأفراد لوطنهم ومجتمعهم وقيادتهم، وخلق حوافز إيجابية عندهم تدفعهم إلى التماسك والتعاطف والتراحم فيما بينهم، والتوافق على مبادئ سلوكية وأخلاقية واجتماعية سليمة، تعزز جميع صيغ التسامح بينهم بعيداً عن العصبية القبلية، بما يحقق مكاسب قيّمة لمقومات الأمن الاجتماعي الشامل ومحصّناته، وتطوير النظام التعليمي ومناهجه، وإعادة النظر ببعض العادات والتقاليد التي تسيء إلى الوحدة الوطنية وتكرس التمييز وتوعية المواطنين بأضرارها بكل الوسائل المتاحة، وتعزيز دور المؤسسات الدينية، ورجال الفكر الديني، والأئمة والوعاظ والمرشدين الدينيين في التصدي للحض على الكراهية والعنف بكل أشكاله وصوره، والحث على تعزيز اللحمة الوطنية وحمايتها، والاهتمام الجاد بالتنشئة الاجتماعية السليمة للطفولة بمراحلها المختلفة بدءاً من البيت وانتهاءً بالمدرسة وفق خطة علمية منهجية مدروسة، وإعداد دراسات تطبيقية ودراسات حالة لمرتكبي جرائم الحض على الكراهية والمس بالوحدة الوطنية، للتعرف على خصائصهم الديموجغرافية والاجتماعية والاقتصادية، وأسباب ارتكابهم لهذه الأنماط من الجرائم، وسبل إرشادهم وتوعيتهم، وإعداد نشرات وملصقات توعية تثقيفية تعزز اللحمة الوطنية، ودعوة أعضاء هيئة التدريس في الجامعات وطلاب الدراسات العليا إلى رصد وتشخيص أبرز مهددات الوحدة الوطنية وسبل تحصينها، في بحوثهم ودراساتهم ومتابعة تطوراتها ومستجداتها أولاً فأولا، واستحداث قاعدة معلومات حديثة ومتطورة، تتوفر فيها جميع البيانات والمعلومات اللازمة بشأن مكافحة خطاب التحريض على الكراهية بين فئات المجتمع وتعميق الوحدة الوطنية، وتنمية مهارات وقدرات وخبرات العاملين في مجال مكافحة التمييز العنصري وحماية الوحدة الوطنية، من خلال البرامج التدريبية الهادفة وعلى كل الصعد الوطنية والعربية والدولية، وإقامة شراكة مع الهيئات التطوعية ومؤسسات المجتمع المدني بكل أطيافه، لحماية الوحدة الوطنية، وتعزيز هذا الدور على الوجه الأكمل، وتعزيز دور المواطنين في مكافحة خطاب الكراهية وحماية الوحدة الوطنية، وتحفيزهم بالضمانات والجوائز المالية والمعنوية، وتسهيل إجراءات الأداء بشهاداتهم وحمايتهم والتكتم على معلوماتهم، وتعميق الوعي المجتمعي بالمفاهيم والمصطلحات المتعلقة بالوحدة الوطنية بمختلف الأشكال والصور والحالات، والتعريف بالآثار السلبية الناتجة عن المساس بالوحدة الوطنية. ومن آليات المتابعة والتقييم التي يدعو إليها اليامي أن تتولى الهيئة حماية الوحدة الوطنية ومتابعة تنفيذ هذه الاستراتيجية، ورصد نتائجها، وتقويمها ومراجعتها، ووضع برامج عملها وآليات تطبيقها، وعقد مؤتمر سنوي حول "الوحدة الوطنية".