أصدرت مؤسسة الفكر العربي الترجمة العربية لكتاب "جوهر التقاليد الصينية"، لمؤلفه وانج كه بينغ. وذلك ضمن برنامج "حضارة واحدة"، الذي أطلقته المؤسسة سنة 2008، ويتضمن سلسلة مشاريع وكتب مترجمة تتعلق بقضايا الفكر التنموي في العالم. يندرج الكتاب الذي تولى ترجمته عن الصينية عباس جواد كديمي ولي وانج يا، في إطار دعوة متنامية إلى حوار بين الحضارات، يشهدها العالم في سياق العولمة الراهنة. ويبحث الكتاب بصورة جديدة ومعمقة في جوهر التقاليد الصينية، أي في "روحها" الأساسية و"مشاعرها" الكامنة، طامحا إلى تمهيد الطريق أمام العالم لتحقيق الاستقرار والعيش باحترام وسلام، بعد أن أسهمت العولمة في خلخلة هذه الأسس كلها. يحاول المؤلف "وانغ كه بينج" رصد نشاط الحركة الثقافية الجديدة التي شهدتها الصين في عشرينات القرن المنصرم. وهي حركة اجتهد أغلب المفكرين الصينيين من خلالها لإعادة إحياء الثقافة التقليدية الأصيلة، التي تتشكل من معتقدات المجتمع الصيني وطقوسه والممارسات المؤثرة فيه، لكن عبر دراسة نظيرتها الغربية والمقارنة بينهما. فتابع المؤلف عمل الكونفوشيوسيين الجدد، وبخاصة أعمال الباحث والشاعر الصيني ثوم فانج (فانج دونج مي 1899-1977) وفلسفته في التناغم الكوني، كمسعى ثقافي وفلسفي عابر للثقافات يرمي إلى تعزيز تفاعلها. فبحث في الأصول المتباينة للأنموذج الثقافي العابر للثقافات، وعرض الروح الثقافية والشخصية الجمالية لقدامى اليونانيين والأوروبيين والصينيين، متبعا في هذا العرض مقارنة عمودية وأفقية. عالج القسم الأول من الكتاب المُثُل الثقافية في الصين، مستندا إلى التراث الثقافي الصيني ومدارسه الفكرية التي بدأت تخرج إلى النور منذ مطلع القرن السابع قبل الميلاد، ومن أبرزها الطاوية، بوصفها إحدى هذه المدارس التي تتمتع بامتداد تاريخي وتأثير قوي، والتي عُرفت مع مؤسسها "لاو تسي" (لاو- تسو). فعرض هذا القسم بعض المفاهيم الثقافية انطلاقا من جذورها الفلسفية، مثل إعادة اكتشاف الوحدة أو التطابق بين السماء والبشر، باعتبارها إحدى الصيغ المثالية للحياة الروحية، والتي تم تطويرها مع الطاوية الجديدة، والكونفوشيوسية الجديدة، والمدارس الفكرية الحديثة في سياق التاريخ الصيني. القسم الثاني من الكتاب بحث في استراتيجيات التفكير، مع التركيز على الطاوية بمراحلها المبكرة، وقد أولى هذا القسم أهمية خاصة للحكمة الأدبية للوجود الإنساني، والطريقة الرمزية للتفكير عبر الأساطير، وذلك بما يُلقي الضوء على فهم إمكانات الحياة واحتمالاتها، والاستقلالية الشخصية، والحرية الروحية من منظور الطاوية. أما القسم الثالث والأخير من الكتاب، فركز على موقف الصينيين ونظرتهم إلى الطبيعة وتوقعاتهم الكامنة من التنوير الفكري والسمو الأخلاقي عبر التأمل الجمالي، لا سيما أن هذا التوجه حافظ على استقراره في التقاليد الصينية. يشار إلى أن برنامج "حضارة واحدة" يضم أربعة مشاريع للترجمة من اللغات: الفرنسية، والصينية، والهندية، والإسبانية.