يواصل المعرض الاستعادي التكريمي للفنان التشكيلي نايل ملا، الذي افتتح الاثنين الماضي بجاليري روشان للفنون الجميلة في جدة استقبال زواره على مدى أسبوعين، وقال أستاذ تاريخ الفن والعمارة بجامعة دمشق الدكتور عفيف بهنسي: "لنتوقف بتأمل عميق أمام أعمال الفنان نايل ملا، ولنتساءل ما الذي يختفي وراء تلك الغيوم اللونية المفعمة بالغيث الفني، وما الذي يمكن ان نسمعه من هذه الألحان اللونية الهادئة الصاخبة في وقت معا، الصامته الناطقة في وقت معا. أي دعاء. أي أنين. أي نداء. أي نجوى؟! وراء ذلك العالم، المتأمل الذي يفرض نفسه عليك وأنت تقف أمام أعماله فيثير لديك الرغبة بالبحث عن نايل.. الإنسان وراء هذا الطيف اللوني المشحون بالمأساة والهم وظلال الليل. ملا، أحد أبناء مكةالمكرمة، الذين نشأوا وترعرعوا في بيوتها العتيقة، وأزقتها القديمة، وحواريها القريبة من الحرم، ومن الذين لم يدرسوا الفن، على الرغم من أنه كان مرشحا للابتعاث إلى فلورنسا لدراسة الفنون الجميلة، إلا أن رفض والدته، لم يكن حجر عثرة أمامه، فكان عشقه الرسم منذ الصغر، وكان هاجسه أن يصبح يوما ما فنانا تشكيليا، فصار أحد أبرز فناني الجيل الثالث من التشكيليين السعوديين، إذ بدأ مشاركاته وحضوره وأنشطته منذ عام 1982، فكانت مسيرته التشكيلية حافلة بالكثير من الأنشطة والإنجازات، سواء بإدارته وتنظيمه للكثير من الفعاليات والمسابقات والمعارض التشكيلية، أو من خلال كتاباته ومتابعاته وتغطياته للفن التشكيلي السعودي بالصحافة السعودية. كما شكل حضورا من خلال تمثيله للمملكة، ومشاركته بالبيناليات والمهرجانات العربية والدولية، وحصوله على عدد من جوائزها. المعرض الاستعادي لم يقم الفنان نايل ملا، في مسيرته التشكيلية سوى معرض شخصي واحد عام 1992، قدم خلاله آنذاك تجربة جديدة، لفتت الانتباه، وأسهمت عزلته التي تجاوزت ال13 عاما، في تأجيل معارضه الشخصية، ما أدى إلى تكدس الكثير من أعماله الفنية، ومن مختلف المراحل والتجارب، وبالتالي نبعت فكرة تنظيمه معرضا شخصيا استعاديا، عادا إياه بمنزلة الأول والأخير، ليشمل عروضا لاعماله المتنوعة والمتكدسة لديه، التي تجاوزت أكثر من 1000 عمل، هي حصاد كل المراحل والتجارب والسنين. تشاكيل "تشاكيل" هو الحلم الذي استقى الفنان منه عنوانا لمعرضه، هو تلك الألوان القديمة التي كان يرسم بها منذ طفولته بالبيت، وبالمدرسة، وعلى وجه التحديد بحصة مادة الرسم بالصفوف الابتدائية، حين كان مدرس الرسم عادة يطلب من كل الطلاب بإخراج "تشاكيلهم" التي تعني الألوان "الباستيلية" وعادة ما يتم تنبيه المدرس للطلاب بإحضار "تشاكيلهم" وعدم نسيانهم إياها للرسم بها في الحصة القادمة. يقول الفنان نايل إن رائحة تلك الألوان واسمها الذي كان يطلق عليها، حببته أكثر في مادة الرسم، إذ لم تكن تفارقه في تلك المرحلة، وهي التي ساعدته على استلهام مواضيع الرسم، لسلاستها ورائحتها التي ما زالت عابقة في ذهنه. من تلك الألوان استقى نايل مقاله التشكيلي "تشاكيل" الذي كان ينشره بجريدة المدينة منذ أكثر من عشر سنوات، ثم أتبعه بفكرته في إصدار أول نشرة تشكيلية بالسعودية أطلق عليها ايضا اسم "تشاكيل"، ثم أسس مجموعته "تشاكيل" بالفيسبوك. ويرى الفنان نايل ملا، في قرارة نفسه أنه صاحب الحق الأدبي في إعادة اكتشاف هذا المسمى العبق. في معرض "تشاكيل" الكثير من الإبداعات والإرهاصات والزخم اللوني والتنوع الموضوعي والأساليب المتعددة، المليئة بأحاسيس ال"تشاكيل" العتيقة التي عالج بها الفنان مواضيعه. ومن ذلك ترى له الكثير من المجموعات والمراحل الفنية ومنها: *مجموعة "تقاسيم شرقية" وهي أعمال زيتية بدأ في تنفيذها منذ عام 1998، على مساحات متعددة، حصلت على الكثير من الجوائز المحلية والدولية، ومن تلك الجوائز "تقاسيم شرقية"، جائزة "المفتاحة" الكبرى عام 2001، والجائزة الثانية بمسابقة "السفير" الأولى التي تنظمها سنويا وزارة الخارجية السعودية. والجائزة الثالثة من بينالي إيران الإسلامي الدولي، إذ حصلت على الجائزة الشرفية. نفذ منها ما يقارب المئة لوحة بمقاسات مختلفة. *مجموعة "الجرافيك" وهي ما تسمى بأعمال الحفر والطباعة. يعد الفنان نايل الأكثر اهتماما بأعمال فن الجرافيك في السعودية، ونفذ مجموعة كبيرة منها وشارك بها في ترينالي القاهرة الدولي وفي إسبانيا. *مجموعة "القهوة" نفذها بألوان ورائحة بقايا القهوة، بعد تثبيتها بمادة حافظة. *مجموعة "الإسكتشات والتخطيطات" نفذ الكثير من الاسكتشات والتخطيطات بأقلام الرصاص والفحم والتباشير. * مجموعة "أثر ،، أثر" وهي مكونة من أعمال الصفيح "التنك" عبارة عن خمس عشرة قطعة مستخرجة من بيوت الصفيح القديمة بإحدى ضواحي مكة، وهو عمل مفاهيمي يحكي قصة أُثرية، تم عرضه ببينالي الشارقة عام 2005، كأول عمل مفاهيمي سعودي يعرض دوليا وقد ترك أثرا وانطباعا جيدا لدى رواد البينالي والنقاد. *مجموعة "الأحلام" هي آخر نتاج للفنان قبل إجرائه لعملية القلب المفتوح، منفذة بأسلوب حديث وبمختلف التقنيات، ذات صبغة عالمية.