نشر "معهد "كاتو الأميركي"، يوم 5 نوفمبر الحالي، دراسة لمايكل تانر، أستاذ في معهد كاتو ومؤلف كتاب "فقر الرعاية الاجتماعية: مساعدة الناس في المجتمع المدني"، وتشارلز هيوز، باحث مشارك في معهد كاتو، عن محاربة الفقر في الولاياتالمتحدة الأميركية. ففي تلك الدراسة يوضح الباحثان أنه خلال 50 عاماً من الحرب على الفقر في الولاياتالمتحدة؛ أنفقت الحكومة الفيدرالية وحكومات الولايات أكثر من 19 تريليون دولار لمكافحة الفقر. ويتساءلان عن الذي تم إنجازه بالفعل. تشير الأدلة إلى تخفيض العديد من مظاهر الفقر المادي، خاصة في السنوات الأولى من الحرب على الفقر. غير أن هذه الجهود حققت نجاحاً أكبر بين الجماعات المستقرة من الناحية الاجتماعية والاقتصادية، مثل كبار السن، أكثر منها بين الجماعات منخفضة الدخل التي تواجه مشكلات اجتماعية أخرى. فضلاً عن وجود عوامل أخرى، لعبت دوراً في جهود الحد من الفقر، مثل إقرار قانون الحقوق المدنية، وتوسيع الفرص الاقتصادية للأميركيين الأفارقة والنساء، وزيادة الأعمال الخيرية الخاصة، وارتفاع النمو الاقتصادي بوجه عام. ويرى الباحثان أنه على الرغم من بعض علامات النجاح الأولى للحرب على الفقر، إلا أن البرامج التي بدأت منذ فترة طويلة وصلت إلى نقطة تراجع العائد. ففي السنوات الأخيرة أنفق المزيد من الأموال على المزيد والمزيد من البرامج، في حين لم يتحقق سوى مكاسب قليلة، إن وجدت. والأهم من ذلك، فشلت الحرب على الفقر في تمكين الفقراء من الاعتماد على أنفسهم أو زيادة الحراك الاقتصادي بين الفقراء والأطفال. وربما حياة الفقراء أصبحت أقل شقاء، لكننا فشلنا في انتشال الناس من براثن الفقر حقاً. ويجب أن تكون إخفاقات الحرب على الفقر درساً لصناع القرار اليوم. حيث لا تكفى النوايا الحسنة وحدها. ولا ينبغي أن يستمر إنفاق الأموال في برامج فاشلة باسم الرحمة. ففي 8 يناير 1964، أعلن الرئيس "ليندون ب. جونسون" في خطاب حالة الاتحاد "حرباً غير مشروطة على الفقر في أميركا". ولم يكن هدف جونسون مجرد "تخفيف أعراض الفقر، ولكن علاجها وقبل كل شيء، منعها". وبعد أربعة أشهر، وسع جونسون تلك الرؤية في خطاب ألقاه في جامعة ميشيجان، داعياً إلى "مجتمع عظيم يقضى على الفقر والظلم العنصري". وسرعان ما تلا ذلك سيل من التشريعات لإقامة العديد من جوانب دولة الرفاه الأميركية الحديثة. وعندما غادر جونسون منصبه، كان قد أنشأ أكثر من 20 برنامجاً جديداً لمكافحة الفقر؛ من الرعاية الصحية إلى الإسكان، ومن التدريب المهني إلى الغذاء. وتم توسعة برامج أخرى، أو جعلها دائمة مثل كوبونات الغذاء. وجاء عدد من برامج التأهيل واسعة النطاق، مثل الرعاية الصحية، أيضاً من حرب جونسون على الفقر وأجندات المجتمع العظيم. وفى العقود التي تلت ذلك، تم إنشاء العشرات من برامج مكافحة الفقر أخرى. ويوجد اليوم 126 برنامجاً اتحادياً لمكافحة الفقر، تتبع 7 وزارات مختلفة و6 هيئات مستقلة. وزادت تكلفة الحرب على الفقر بشكل كبير. ففي 2014، ارتفع الإنفاق الفيدرالي على برامج الرعاية الاجتماعية ومكافحة الفقر من 107 مليارات دولار إلى 688 مليار دولار، بزيادة قدرها 640%، في حين، ارتفع إجمالي الإنفاق الحكومي والخاص على الرعاية الاجتماعية من 160 مليار دولار إلى 981 مليار دولار، أي بزيادة قدرها 613%. وبطبيعة الحال، لا يتم تعديل هذا المبلغ وفقاً للنمو في عدد السكان. وبالتالي، ربما يكون النظر في الإنفاق على الرعاية الاجتماعية على أساس نصيب الفرد، وتحديداً الفقير، مقياسا أفضل. وعلى هذا الأساس، ارتفع الإنفاق الفيدرالي بنحو 320% تقريباً من أربعة آلاف و643 دولارا للفرد إلى 14 ألفا و848 دولاراً، بينما ارتفع إجمالي الإنفاق الحكومي والخاص بنسبة 302%، من ستة آلاف و972 دولاراً إلى 21 ألفاً و113 دولاراً. ويتساءل الباحثان ما نتيجة هذا الإنفاق؟ وهل تم الانتصار في الحرب على الفقر، أو حتى السبيل إلى النصر اقترب؟ لقد كان للحرب على الفقر العديد من الأهداف؛ أكثرها وضوحاً، الحد من الفقر. لكن جونسون أوضح أنه لم يكن يقصد مجرد "التخفيف من أعراض الفقر، ولكن علاجه، وقبل كل شيء، منعه". نعم، إنه كان يسعى لتلبية «"الحاجات الأساسية" للفقراء، ولكنه سعى أيضاً إلى "إحلال الفرصة محل اليأس". ويشير الكاتبان إلى أنه بعد مرور 50 عاماً من الحرب على الفقر، إذا كانت الولاياتالمتحدة الأميركية لم تخسر الحرب، فهي في أحسن الأحوال تكافح من أجل التعادل. وربما تكون التريليونات من الدولارات وقائمة البرامج التي تم تنفيذها منذ وعد جونسون قد خفضت بشكل طفيف من الفقر المادي، غير أن البيانات محدودة وتخضع لتفسيرات مختلفة. حيث يظهر معدل الفقر الرسمي المكاسب القليلة، ولكن الدراسات المبنية على قياسات تكميلية أكثر تطوراً لا تظهر سوى انخفاضاً قليلاً في الفقر، وخصوصاً خلال السنوات الأولى من جهود مكافحة الفقر. ومازال من غير المؤكد أن جزءاً كبيراً من هذا التحسن يرجع إلى الحرب على الفقر. فعلى سبيل المثال، تشير الأدلة إلى أن التوسع في الحقوق المدنية للنساء والأميركيين من أصل أفريقي كان عاملاً مساعداً مهما أسهم في الحد من الفقر. كما لعب النمو الاقتصادي العام والتطور التكنولوجي أيضاً دوراً في ذلك. وفي نهاية الدراسة يوصى الكاتبان بأهمية النظر فيما إذا كانت الحرب على الفقر جلبت عواقب غير مقصودة تدحض أي فوائد حققتها برامج مكافحة الفقر. وتشير الأدلة، بشكل خاص، إلى أن العديد من برامج الرعاية الاجتماعية لا تشجع العمل، في حين تشجع الإنجاب خارج إطار الزواج. وبالتالي، حتى لو تم الاتفاق على أن الحرب على الفقر حدت من الفقر من بعض النواحي، إلا أنها خلقت ظروفاً تساعد على زيادة الفقر.