بعد أشهر من الجدل والمناكفات السياسية بين الجمهوريين والديمقراطيين وقبل الموعد النهائي ( 2 أغسطس الجاري) لإيفاء الخزانة الأمريكية لفوائد ومستحقات سندات الخزانة توصل الكونغرس الأمريكي بمجلسيه النواب والشيوخ في ربع الساعة الأخيرة إلى اتفاق برفع سقف الدين العام بحوالي 2.1 تريليون دولار عن سقفه الحالي البالغ 14.3 تريليون دولار وليصبح 16.4 تريليون دولار. وفي المقابل سيقوم الديمقراطيون بتخفيض الإنفاق الحكومي بمبلغ 2،1 ترليون خلال السنوات العشر المقبلة. القرار يتيح للحكومة الفدرالية باقتراض المزيد من الأموال للإيفاء بالتزاماتها المالية ومن بينها دفع الرواتب والإنفاق على برامج الرعاية الصحية والضمان الاجتماعي مع ضمان دفع الفائدة على ديونها السابقة. وبموجب التسوية تراجع الرئيس أوباما عن نيته زيادة رسوم الضرائب على الشركات الكبرى وأصحاب المداخيل العالية. تلك التسوية لم تمنع قيام مؤسسة ستاندرد آند بورز بتاريخ 5 أغسطس من الشهر الجاري بإعادة تقييم وتصنيف الوضع الائتماني للولايات المتحدة. الاقتصاد الأمريكي المتعثر لا زال يعاني من استمرار الركود من جراء الأزمة المالية والاقتصادية التي تفجرت في شهر أغسطس 2008 ، و الذي انعكس في استمرار ارتفاع نسبة البطالة التي تفوق 9% ، وتفشي الفقر، والتدهور الحاد في مداخيل العمال و التآكل المستمر للطبقة الوسطى، ناهيك عن تقليص النفقات الاجتماعية (صحة وتعليم) و الذي سيتفاقم في ظل التخفيض المقرر للإنفاق الحكومي. نقف هنا عند دلالات الضربة الموجعة للاقتصاد الأمريكي حين تراجعت موثوقية السندات الأمريكية من درجة AAA إلى درجة أدنى تتمثل في +AA ، وتعد هذه المرة الأولى في تاريخ الولاياتالمتحدة التي ينخفض فيها تصنيفها الائتماني. خفض تصنيف أميركا الائتماني يعني أنها لم تعد مكانا جاذبا وآمنا للاستثمار في العالم، كما يترتب على ذلك زيادة في معدلات الفائدة على سنداتها مما يعني لجوءها إلى طبع كميات إضافية من الدولارات الورقية وهذا سينعكس في انخفاض مزيد من قيمتها إزاء العملات الدولية الأخرى علما بأن الدولار الأمريكي فقد 50% من قيمته إزاء اليورو منذ عام 2000 . لقد تراكمت الديون الفدرالية الأمريكية لتصل إلى أكثر من 75% من الناتج القومي الإجمالي، ناهيك عن الارتفاع المستمر في عجز الموازنة العامة التي سجلت خلال شهر فبراير/ شباط الماضي عجزا قياسيا وصل إلى أكثر من 220 مليار دولار في حين قدر العجز في الميزانية في الفترة المنقضية من السنة المالية 2010 -التي بدأت في الأول من أكتوبر الماضي ب 651.60 مليار دولار وهو ما يزيد كثيرا عن العجز المسجل في الفترة نفسها من السنة المالية 2009 البالغ 589.80 مليار دولار. هذه الأرقام توضح أن الولاياتالمتحدة باتت أقل قدرة إنتاجية، وأن اقتصادها أصبح قائما على المديونية والخدمات أكثر منه على الإنتاج.