المطمئن هو الوحيد الذي يدرك معنى الحياة، ويستجلي روائعها، وهو الوحيد الذي لا يهاب الموت، ولا يرتاع من الفوت، يؤمن بحزنه وانفعاله وتقلباته التي لا مفر منها في هذا الخضمّ، يستمدّ صبره من ثقته بالله الذي قال: "ولنبلونّكم"، لا يتأفف من البؤس، ولا يُلقي بالا لحجم الكارثة، حتى التجاعيد التي قد تطرأ في وجهه يوما ما، لن يُحمّلها السنين؛ لأنه تعوّد ألا يلوم الزمن. في داخل هذا الشخص المطمئن ضمير يقظ، ومحكمة مستقلة تعقد جلساتها قبل النوم غالبا، تنظر في جميع الوقائع التي حصلت على مدار اليوم، تُقيّم أحداثها، وربما لا يغمض لهذا الشخص جفن إن أقرّ هذا الضمير اليقظ بحدوث خطأ ما. نحتاج لتفعيل محاكمنا الشخصية، التي تقطن دواخلنا، وأن نحاكم ذواتنا عبر هذا الضمير الذي يستمد دستوره من الأخلاق الحميدة. نحتاج أن ننام من غير أرق يقُضّ مضاجعنا، وأن نبني مع الآخرين هذا الحاضر؛ كي نستيقظ في الصباح الباكر نحو المستقبل، مفعمين بالطمأنينة، مستيقنين أن تصالحنا مع ذواتنا أولا والآخرين ثانيا هو الطريق الصحيح لنهضة مجتمعاتنا، وهو السبيل لكل حضارة منشودة.