هناك قضايا فكرية عربية معاصرة، لم يستطع المفكر العربي إظهارها على السطح، بل إن هذه القضية بُحثت من قبل مفكرين ليست لهم علاقة بالشأن العربي أكثر من كونها علاقة تخطيط استراتيجي مصلحي لاستباق التغييرات المتوقعة على الخارطة العربية واستشراف الذهنية الشعبية لا أكثر.. إنها جهود بحثية لاستمرار السيطرة الغربية على المشرق العربي. إن قضية الهوية للدولة العربية الحالية لم تستوف بعد شروط بحثها، لأسباب قد تكون منوطة بنوعية المفكر العربي المعاصر، أو بنوعية الدولة العربية المعاصرة، كذلك لا بد لنا من النظر على من يؤثر في الآخر، وهل العلاقة بين المفكر والدولة علاقة تكاملية، أم علاقة انفصال، فمتى ما استطاع المفكر العربي النفاذ بفكره لجذور المشكل، مع قدرته على أن يكون خارجها ليحتكم لرؤية أوسع، وبالتالي يضع قضيته إلهامه ويحصرها في زاوية ومن ثم يتناول ما لديه من رؤى وحلول ومقترحات تتناسب والوضع القائم أمامه في سبيل الوصول لحكم متجرد إزاء قضية الهوية. وقد تكون هوية الدولة هي من أثرت على فكره قبليا، وأصبح هو جزء من المشكل، وكنتاج لها، ومحصل بعدي لاحق كأحد مكوناتها التي تغذي بدورها قنوات الرأي العام، وهنا يصبح كمن يريد أن يصور العام وهو ينظر من داخل النفق برؤية محدودة. إن قضية الهوية وبوجهة نظري البسيطة لم تطلها بعد عملية البحث والتقصي، أي النظرة الثاقبة من خارج حدود الصندوق، والمتجردة من الأهواء، والميول الكامنة والمتراكمة عبر الزمن في الذهنية العربية. وأبسط الأمثلة على مشكلة عدم الوصول لحقيقة المشكل الرئيس، أو ضياع الهوية هي مقولة المطالب بدولة إسلامية التي لا يراها اليوم قائمة ومستوفية لكل ما جاء به العدل السماوي، وإنزاله على الأرض نهجا وتعاملا ونظاما، أي العدل والرحمة واقعاً، وكذلك مقولة المطالب بدولة علمانية بحسب المفهوم الأوروبي هو الآخر لا يراها كذلك، فلا المطُالب الأول يرى مطالبه وقد تحققت في الدولة العربية الحالية، ولا المطُالب الثاني وجدها أيضاً.. فأي هوية هي تلك التي تتمثلها الدولة العربية المعاصرة؟ لن تجد الإجابة الوافية، طالما الباحث والمبحوث في جوف واحد، إنها قضية بحث تنتظر من يخرج عليها، ويبتعد عنها، ثم يجعل منها قضية فكرية قابلة للحكم.