حركة دؤوبة تشهدها حواري جدة القديمة، التي شكّلت تاريخ جدة قبل هدم السور في 1947، وهي حارات اليمن والبحر والمظلوم والشام، تهيئ بسطاتها لبيع الوجبة التي ارتبطت شهرتها بشهر الصيام، وهي "كبدة رمضان". ورصدت "الوطن" ميدانياً، الأجواء التي بلغت أشدها في حجز المواقع وتهيئتها، بل تكاد تتحول تلك المواقع الحيوية في الحارات الأربع، إلى "ورش عمل" مستمرة لساعات طويلة في سباق مع الزمن لاستقبال عاشقي وجبة الكبدة التي تعد بمثابة وجبة رمضان الرئيسية المرتبة بعد الإفطار. أعمال النجارة ووضع الستائر المصرية الشهيرة بدأت في تزيين بعض المواقع، وهو ما يضفي لمسات فنية على بيع الكبدة، وبعضهم أخذ في تهيئة وتقسيم المكان عبر بناء مدخلين للشباب والعوائل، الذين يفضلون الذهاب إلى المنطقة المركزية ليس فقط للتسوق، بل لتناول وجبة الكبدة التي يكون لها مذاق مختلف عن مدار السنة كلها. صفحة التواصل الاجتماعي "فيسبوك" ووسيط الدردشة الهاتفية المجانية "الواتساب" تحولتا إلى وسيلتي الإعلان الرسمية، لاستقطاب أكبر عدد ممكن من الزوار، في حال زيارتهم للمكان، وهو ما يعده البعض أسلوباً استقطابياً مميزاً، بعيداً عن الأسلوب التقليدي في توزيع "بروشورات" تعريفية على الناس المارين، أو على زجاج السيارات في المواقف المخصصة لها، أو حتى بجانب المساجد الشهيرة في المنطقة. لوحات التعريف بمواقع بيع الكبدة، هي الأخرى قصة بحد ذاتها، تتموضع في خانة التسويق والاتكاء على سنوات الخبرة في بيع "كبدة رمضان"، التي تعد إحدى سبل التنافس، غير المرتبطة بموقع البسطة – التي تعد عاملاً مهماً في جذب الزبائن – يضاف لها معلمو الصنعة الشهيرون، حيث نحت بعض العائلات الشهيرة إلى حجز موقعها في بيع "الأكلة" كجزء من تراث العائلة على مدار عقود طويلة، ولا تزال الأجيال الجديدة مستمرة في هذا العرف، كحالة من الارتباط التاريخي بهذه المنطقة.