تجدهم مندسين خلف الباب، أو يسيرون ذهابا ومجيئا، أو يكلفون هذا، ويسألون تلك، لا لشيء، سوى التلصص على موظفيهم، أو تكليف أحد بمراقبتهم، ومضايقتهم، أولئك هم شريحة من المديرين، الذين يعتقدون أنهم بهذه الطريقة، يحافظون على سير العمل، ويطبقون النظام، في وقت لا يعون فيه أنهم "ينتهكون الحرية الفردية"، ويمارسون سلوكا لا يتوافق و"مبادئ علم الإدارة" في العصر الحديث. انحياز للأقرباء مازن البلوي، موظف له تجربته "المريرة"، حيث ذكر أن مديره السابق كان "ممن يستمع لحديث الآخرين، ويأخذ به دون التحقق من صحته"، وأشار إلى أن أحد زملائه تربطه صلة قرابة بالمدير، كان ينقل له صورة سيئة عنه، مما جعل المدير يرفض جميع طلباته، ويؤخر ترقيته، حيث منحه درجة 5 من 8، رغم "التزامي بالحضور، وإنجاز العمل. فيما منح المدير قريبه الذي يتأخر بالحضور، وكثير الغياب، الدرجة الكاملة". البلوي اعتبر أن "الموظف الذي لديه مدير متسلط، عليه أن يثبت نفسه بإنجاز عمله على أكمل وجه، وبذات الوقت يطالب بحقه وفق الطرق السليمة، دون تجاوز بالألفاظ أو غيره". مضايقة ومراقبة قصة أخرى ترويها الموظفة بالقطاع الخاص، منال محمد، التي أشارت إلى أن المسؤول عنها منذ التحاقها بالعمل لديه، وهي تشعر أنه يحاول جاهداً "تطفيشها" من العمل، بإعطاء الأوامر، وتأخيره إنجاز المعاملات المتعلقة بها، ومطالبتها بإنجاز عمل زميلاتها الأخريات، دون اعتراف منه بما تنجزه، حتى وصل به الحال أن يكلف إحدى زميلاتها من قسم آخر بمراقبة غيابها وحضورها، بل إنه طلب من زميلتها مراقبة تحركاتها وجلوسها مع من مِن زميلاتها الأخريات داخل منشأة العمل. وقالت منال "إنه هو من كشف تصرفه دون أن يشعر، عندما أخبرني أنه علم أمرا ما عني، وذلك بطريقته الخاصة". حيث كان يمارس تلصصه عبر عيون يزرعها بين الموظفين. تدقيق لا تجسس هذا السلوك الرقابي الذي انتقده عدد من الموظفين، لم يرَ فيه أبو محمد المدير بإحدى الإدارات، نوعا من "التجسس"، قائلا إنه تحت إدارته ما يقارب 20 موظفاً، ولا يتجسس عليهم، ولكنه يود أن يتم الانتهاء من الأعمال الموكلة إليهم، فيلاحظ أن بعضاً منهم يتهاونون في أداء العمل، مما يجعله يتابع ما يكتبونه، ويطلع على الإحالات بعد إرسالها ومتابعتها. وأشار أبو محمد إلى أن "بعض الموظفين ينظر إلى أنني أراقبهم، وأشك في عملهم وأدائهم، وهذا غير صحيح، ولكنه يجب على الموظف أن يتحمل عواقب أمره، وأن يتجاوب مع متطلبات العمل". علاقة عمل مدير إدارة الخدمة الاجتماعية بصحة المدينةالمنورة، محمد الشاماني، يرى أن "العلاقة بين المدير والموظف في الأصل، هي علاقة عمل، تقوم على التكامل الوظيفي بينهما، وتحكمها مبادئ إدارية وإنسانية، كما اجتماعية ترتبط ببيئة المجتمع، وتمارس من خلال مؤسسات تنظيمية لها أهداف تسعى لتحقيقها"، مضيفا "هناك نظريات حديثة في الإدارة، ركزت اهتمامها على دراسة العنصر البشري، الذي تعتبره عماد العملية الإدارية، ونقطة انطلاقها، ومنها نظرية العلاقات الإنسانية، التي تعتمد في تحليلها للإدارة على أن العلاقات الإنسانية بين العاملين”. وأشار الشاماني إلى أن "هناك شخصيات إدارية لا تدرك أهمية العلاقات الإنسانية في مجال الإدارة، مما يؤثر على هذه العلاقة بين المدير والعاملين، لتصبح علاقة آلية مجردة من العلاقات الإنسانية، أو علاقة شخصية بعيدة عن العمل الإداري، مما يخلق بيئة خصبة لتبادل الاتهامات، واستخدام وسائل رقابية غير أخلاقية"، مؤكدا أن "أفضل أنواع الرقابة، هي الرقابة الذاتية للموظف، التي تتم بواسطة بناء الثقة لدى العاملين، وتعويدهم على الصراحة”. وطالب الشاماني في حديثه إلى "الوطن" الإدارات العليا ب"وضع معايير سلوكية إلى جانب المعايير الإدارية، في اختيار المديرين المباشرين، مثل القدرة على فهم مشاعر الآخرين، وتنمية روح المشاركة والديمقراطية في العمل، والقدرة على حل المشاكل، واتخاذ القرارات، بالإضافة إلى التدريب المستمر لجميع العاملين، بما فيهم المديرون، وتدوير المناصب الإدارية". تحليل نفسي علم النفس له رؤيته للنتائج المترتبة على سلوك المديرين "المتلصصين"، حيث يعتقد أخصائي الأمراض النفسية بمستشفى الطب النفسي بالمدينةالمنورة، ناصر الذبياني، أن هذا السلوك من شأنه أن يعود على المدير "المشكاك"، وعلى موظفيه ب"مشاكل نفسية، كالاكتئاب، والقلق، والتوتر، والصراعات النفسية، وكثرة الاختلافات في الرأي بينه وبينهم، مما يؤثر على سير العمل، وقلة التركيز في الأداء الوظيفي، وكثرة المشاكل بين الزملاء في العمل، وقلة الإنتاجية، وربما انتقال الموظفين إلى عمل آخر، أو مناطق أخرى، وربما تقديم استقالاتهم". حدود الرقابة الرقابة الإدارية من المديرين أمر مهم، لكنه أيضا بحسب رئيس قسم علم النفس التربوي بكلية التربية بجامعة "طيبة"، الدكتور نايف بن محمد الحربي، له "حدود ومفاهيم ينبغي مراعاتها. فالمتابعة اللصيقة والمستمرة التي تفتقد إلى مبدأ الثقة والأمانة، وكأن المدير هو الشخص الوحيد والحريص على إنجاز العمل دون غيره من الموظفين، مما يؤدي بعد فترة إلى نقص الإنجاز". مضيفا "ينبغي على المسؤولين اتخاذ التدابير اللازمة في متابعة العمل، دون المساس بحقوق الموظف، وكأنه متهم حتى يثبت عكس ذلك". مشيراً أن مجموعة من الباحثين في الطب النفسي من جامعة "هارفارد" توصلوا إلى أن "على أرباب العمل بذل المزيد من الاهتمام بالصحة النفسية، عبر تبني برامج لرصد حالات الاكتئاب بين العاملين لديهم، وشعورهم بالإحباط، وانعدام الرضا الوظيفي، والمبادرة إلى معالجة الحالات تلك في وقت مبكر، ليس فقط من أجل صحة العاملين وسلامتهم، بل من أجل حصول أرباب العمل على مستوى أعلى في الإنتاجية، وتحقيق مكاسب مالية أكبر لمؤسساتهم، وتقليل خسائرهم التي تُقدر على حد قول الباحثين بمليارات الدولارات سنوياً، جراء عدم الاكتراث بنفسية العاملين في هذه المؤسسات".