وصلت مصر إلى مرحلة العجز فيما يتعلق بالقدرة على دفع ثمن واردات النفط والقمح والسلع الأساسية الأخرى، مما اضطرها إلى طلب هبات بالطريق الدبلوماسي أو شروط سداد ميسرة من الموردين، الذين يحدوهم الأمل في معاملة تفضيلية في المستقبل في مقابل ذلك. وصارت أزمات الوقود وإجراءات الأمن المشددة في المحطات والمشاجرات في الشوارع شائعة في المدن المصرية، في وقت تحاول فيه شركات الاستيراد المملوكة للدولة تلبية الطلب على السولار والبنزين. ورغم أن أهمية مصر الاستراتيجية تعني أن القوى العالمية تبدو غير مستعدة لأن تترك اقتصادها ينهار على الأرجح، فإن الأزمة المالية بلغت الآن من الحدة درجة أن البلاد لم تعد قادرة على شراء النفط الخام من السوق، الأمر الذي جعل وزير البترول المصري يهرول لعقد صفقات دبلوماسية مع ليبيا وقطر والعراق؛ ليضيف إلى شريان نفطي ممتد حاليا من الكويت. وقال ريتشارد مالينسون المحلل لدى "إنرجي أسبكتس" في لندن: "من المرجح أن يكون التركيز على توفير ما يكفي من السولار للفلاحين قبل موسم الحصاد، وألا تحدث أزمة في الوقود اللازم للمخابز؛ لأن ذلك يمكن أن يتسبب في أزمة غذاء". وعمل المسؤولون على التخفيف من المخاوف بشأن الغذاء بينما أعينهم على محصول قياسي من القمح، الذي سيبدأ حصاده في الشهر المقبل، لكن الحكومة تعترف بأنها تواجه صعوبة في مجال الوقود. وقال المتحدث باسم الحكومة علاء الحديدي، لرويترز: "المشكلة الكبيرة التي نواجهها هي في قطاع الوقود". وأضاف "هذا يجري علاجه وهناك تحسن تدريجي" ومع ذلك لم تحصل مصر على شحنة خام واحدة من السوق المفتوحة منذ يناير الماضي. وفي وقت اشتدت فيه الأزمة المالية، لم تشتر الهيئة الحكومية التي تستورد الحبوب والقمح منذ فبراير الماضي. وقال عدة تجار: إن شركتي التجارة "بتراكو" و"أركاديا" كان مقررا أن تسلما نفطا خاما بعد فوزهما بمناقصة، لكن المستورد الحكومي وهو الهيئة العامة للبترول ألغى التسليم. ونتيجة لذلك، تعمل المصافي بأقل من طاقتها بكثير. وقالت وزارة البترول أول من أمس، إن حالات انقطاع التيار الكهربائي في مناطق من البلاد سببها عدم وجود السيولة المالية اللازمة لشراء الوقود لمحطات التوليد. وقال مسؤول حكومي، إن القاهرة تبحث عن مصادر أخرى للسلع وعن سبل لتمويلها. وقال: "نحن الآن منفتحون على إمكانات أخرى، وستكون أولويتنا خدمة مصالح بلادنا، وأن نسعى إلى الدولة التي تعطينا أفضل التسهيلات المالية، ويمكن أن يكون معنى ذلك أيضا أن ننفتح على أسواق أخرى بينها الدول العربية". وتحاول مصر الصمود حاليا بالاعتماد على أموال من تركيا والعراق وليبيا كأحدث مصدر وقطر التي قدمت 5 مليارات دولار. ومن الأمور الحيوية للمستقبل قرض بقيمة 4.8 مليارات دولار تسعى مصر للحصول عليه من صندوق النقد الدولي، وتخفيض دعم الوقود الضخم، الذي يكلف الحكومة خمس إنفاقها. ومع ذلك تخشى الحكومة رد الفعل الذي سيتسبب فيه إصلاح الدعم وتسعى لشروط أخف للقرض. وبينما توقفت مشتريات النفط الخام، ما تزال مصر قادرة على شراء منتجات بترولية مثل السولار من السوق، لكن طوابير الناقلات، التي تنتظر التفريغ أمر شائع في الموانئ المصرية، إذ ينتظر فيه البائعون المدفوعات المتأخرة قبل تفريغ شحناتهم. وما تزال مصر مدينة لمنتجي النفط والغاز بما بين 6-8 مليارات دولار؛ بحسب تقديرات مالينسون الذي يعمل في إنرجي أسبكتس، وهذه المدفوعات يجب أن تتفاوض مصر بشأنها قبل أن تحصل على شحنات وقود جديدة. وتقول مصادر بالصناعة، إن الخام الوحيد الذي استوردته مصر بشكل متواصل هو من الكويت، وكانت مصر اتفقت عليه قبل عام أو اثنين من الإطاحة بمبارك، وهو اتفاق يعطي مصر ائتمانا مدته 9 أشهر أي 3 أمثال المهلة التي يقدمها الموردون عادة. وتعهدت ليبيا بتزويد مصر ب900 ألف برميل شهريا، ابتداء من أبريل المقبل، بينما قد يقدم العراق نحو 4 ملايين برميل شهريا، لكن بعد اتفاق ينتظر التوصل إليه. ومما يضاعف مشاكل مصر في مجال الوقود، أن صادراتها من الغاز انخفضت كثيرا خلال العام الماضي. وينخفض إنتاج البلاد بسبب سنوات من ضعف شروط الاستثمار التي زادتها الأزمة سوءا. وتجري شركة "إيجاس" التي تملكها الدولة محادثات منذ نهاية العام الماضي للحصول على واردات غاز من قطر بعد اتفاق لاستيراد غاز جزائري في أكتوبر 2012. وقال مصدر مطلع على المحادثات، إنها تنطوي على مشكلة؛ لأن مصر تريد أن تدفع 4.5 دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، وهو أقل من ثلث ما تستطيع قطر أن تحصل عليه لصادراتها من الغاز الطبيعي في آسيا.