دأبت بعض المسلسلات العربية والخليجية على تقديم شخصيتين في مسلسل يؤديهما فنان واحد، والمشاهد عادة ما يقبل هذا الوضع لعلمه يقينا أن الموضوع تمثيل في تمثيل كما يقولون، ولكن المتأمل في هذا النوع من الأعمال يكتشف بسهولة أن ذلك نوع من تسطيح العمل، ويؤثر بشكل ما على مصداقية الشخصيات. وفي الدراما الخليجية نلاحظ عددا من المسلسلات أخذت هذا النهج، ومنها مسلسل "سكتم بكتم" بطولة الفنان فائز المالكي، الذي يمثل فيه دورين لشخصيتين متناقضتين، الأولى شخصية "مناحي" وهو رجل بسيط يرى الحياة بمنظوره البريء، والأخرى هي "دحيم" وهو شاب يمثل أوساطا اجتماعية مختلفة. كنت أتمنى أن يبقى المالكي في شخصية "مناحي"، ولكن ظهوره في شخصيتين أفقده الطعم الفني، مما أثر كثيرًا على الشخصية المحورية، وهي "مناحي" على الأقل من وجهة نظري. هذا الحكم مبني على ما ظهر به المالكي في شخصية "دحيم" خاصة في حلقة "ولا تسرفوا" التي كان يمثل فيها شريحة الفقراء في المجتمع عندما تبحث عن فتات الطعام في حاويات النفايات، والمفروض وفقا لسياق الحلقة أن يظهر "دحيم" ممثلاً لهذه الشريحة. لكن الحقيقة أن "دحيم" لم تكن ملامحه تدل على أنه فقير، بل العكس فوجهه كان يدل على أنه في رغد من العيش، ولهذا السبب لاحظ المشاهد خللا في تطابق شخصية الممثل مع الموضوع الذي يجسده وهو الفقر، وهذه زلة كبيرة لا تغتفر للفنان الرائع المالكي. كنت أتمنى أن يقدم المالكي شخصية واحدة وهي "مناحي" هذا البطل التلقائي الذي يمثل دور الإنسان البسيط، لأن تقديمه لشخصيتين أفقد أحد الشخصيتين المصداقية. مما أثر على العمل ككل. ليت المالكي قدم في مسلسله شخصية واحدة، ومنحها جهده ومصداقيته ليقنع المشاهد، مثله مثل زميله في المسلسل الفنان الكبير علي المدفع الذي قدم شخصيته التلقائية التي من فرط صدقها يعتقد المشاهد ولو لوهلة أنها ليست تمثيلاً، وإنما هي حقيقة. ولماذا لا ينظر المالكي إلى دور الفنانتين العمانية فخرية خميس، والبحرينية أميرة محمد، اللتين قدمتا شخصيتين محددتين لا تسمحان بالانشطار منذ بداية المسلسل من العام الماضي، وحتى الآن؟. أم ترى أن المخرج فرض على المالكي أن تكون له شخصيتان في العمل هما "مناحي"، و"دحيم"، وكأن المشكلة تكمن في نقص الممثلين، الذين أجزم أن هناك الكثير منهم كانوا سيقدمون دور "دحيم" بكل جدارة؟. ظاهرة تقديم ممثل واحد لشخصيتين مختلفتين في مسلسل واحد آخذة في التراجع، لتعارض ذلك مع تطور العمل الفني، لقد كان ذلك مقبولا في عصر سابق نعاني فيه من قلة الممثلين، ولكن هذا العصر الذي يتميز بكثرة المواهب والقدرات الفنية لا يمكن أن نقبل بظهور الممثل في دورين أو ثلاثة، على أساس القاعدة الشهيرة التي تقول إن كل ذلك تمثيل في تمثيل.