يعتبر الاختلاف ظاهرة صحية، حتمية الحدوث في شتى مناحي الحياة، سواء الاجتماعية منها، كالعائلة والأقران، أو العملية كالمدرسة والمؤسسة. هذا الاختلاف يكون صحيا عندما لا يفسد للود قضية كما يقولون، ولا يتعدى كونه اختلافا على الآراء ليس إلا. فمن الثوابت التي لا تقبل الجدل، أن لكل فرد منا رؤيته الخاصة به، في تناوله لموضوع بعينه، فالبيئة والثقافة كلها أمور لها سلطتها، التي لا تخفى على شخصية المرء ورؤاه. وبما أن البيئات والثقافات تختلف، كان لزاماً على الآراء أن تكون متباينة من شخص لآخر، ولكن الملاحظ وبشكل يدعو لكثير من الأسى، أن الاختلاف وثقافته التي تطرقت لها بداية، لم تعد موجودة في قاموس كثير منا، لتتغير الثقافة من كونها معتمدة على العبارة التي تقول «اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية»، لتحل محلها عبارة «من لم يكن معي فهو ضدي»، لتصبح هي السمة التي يتعامل بها من تختلف آراؤهم حول قضية ما، متجاهلين كل التبعات التي تترتب على هذه الثقافة، والآثار الجانبية السيئة التي تتولد وتتراكم، كنتاج متوقع لها، حيث عجز معتنقوها عن الخروج من بوتقتها الضيقة الخانقة لكل إبداع متميز، والمطفئة لكل طاقة متوهجة، لو قدر لها بيئة مثالية تعي الاختلاف وآدابه، لتفجرت هذه الطاقات، أفكارا وإنجازا يحصد ثماره الجميع.