لم تكن زيارة الرئيس المصري محمد مرسي أمس للمملكة، ضمن دائرة الزيارات "الدبلوماسية الاعتيادية" أو حتى "الودية" الخالية من تأثيرات المشهد السياسي العام في المنطقة. فالقيادتان السعودية والمصرية تدركان بشكل كبير ضرورة إعادة بوصلة ما يمكن أن يصطلح عليه بترتيب "البيت الجيو سياسي" للمنطقة في المجالين العربي والإقليمي، ومحاولة تهيئة الأمور " لسورية الجديدة" وعودة مثلث التضامن العربي (السعودي-المصري-السوري) الذي نشط سياسياً بعد حرب الخليج الثانية. ولم تستمر تلك الحالة طويلا بسبب توجه النظام السوري بشكل مطلق نحو إيران. شّكلت المعطيات السابقة إنهاءً لذلك التنسيق الثلاثي إضافة إلى أن النظام المصري السابق انكفأ على الداخل على حساب إدارة الملفات الإقليمية المهمة، وترك إدارتها للرياض التي وجدت نفسها أمام قائمة من التحديات الخارجية خاضتها بمفردها تلبية "لواجبها السياسي"، باعتبارها دولة محورية هامة. لقد تناغمت الرؤى السياسية بأن أمام القيادة الجديدة في القاهرة من جهة، والرياض في الجهة المقابلة مهمة ترتيب "البيت السياسي" العربي، وهو ما أشار إليه الخبير السياسي ورئيس مركز الخليج للأبحاث عبد العزيز عثمان بن صقر من ضرورة عودة هذا المثلث ولكن بصورة مغايرة. ويرى الدكتور بن صقر أن من المهم مواجهة "النفوذ الإيراني" بإدخال أنقرة كحليف استراتيجي في المثلث العربي "المصري السعودي"، وتوسيع الدائرة بعد استقرار سورية ما بعد الأسد والإتيان بنظام سياسي يرى في العمقين العربي والإسلامي أساسا للتحرك القومي. وأشار إلى مدلولات سياسية حيال الترتيب العربي المقبل خاصة وأن نظرة الرياض السياسية تؤكد أهمية عودة "الاستقرار السياسي بمصر". من جهته يرى الباحث السياسي مروان المحمدي أن المملكة ومصر ظلتا تتمتعان بأهمية استراتيحية "بالغة القوة والتأثير" فى السياسات العربية على مدى الستين عاماً الماضية خاصة في حفظ الكيان العربي. وقال ل"الوطن" إن التغييرات الإقليمية والحضور "المصري السعودي"، سيعيدان التوازن المفقود في ظل القدرات الاستراتيجية للبلدين، خاصة في ملف التعاطي مع الدول الكبرى. ولفت الحمد إلى أن اختيار الرئيس مرسي السعودية كأول محطة لزياراته الخارجية بعد توليه منصبه، يعطي مدلولات مهمة إزاء "الرغبة الحقيقية في عودة وبناء الاستراتيجية الفاعلة بين الرياضوالقاهرة". وقال الخبير في الشؤون العربية عبد الحليم المحجوب إن تطوير العلاقات بين القاهرةوالرياض لا يستهدف معالجة اللحظة الراهنة في مصر، وإنما الأمر يستهدف التصدي لفترة ما بعد المرحلة الانتقالية، خاصة بعد تبلور معالم جديدة للأوضاع السياسية في مصر مغايرة تماما لما كان عليه الوضع قبل 25 يناير 2011. وأكد في دراسة نشرت بعض تفاصيلها وكالة أنباء الشرق الأوسط أن البيئة الإقليمية والاستراتيجيات الدولية في المنطقة تحولان دون أن ينكب أي من الدولتين، مصر والسعودية، على همومه المحلية. وأوضحت أن الدورين المصري والسعودي يستندان إلى مقومات جغرافية، عكس الأدوار العربية الأخرى، وتؤهل هذه المقومات كل منهما لممارسة تأثير فعال في مناطق ومواقع بالغة الحساسية من الزاوية الاستراتيجية، فضلاً عن خلفيات تاريخية تدعم امتلاكهما لقدرة المبادرة والفعل على الصعيدين العربي والإسلامي وليس فقط انتظار رد الفعل.