ليس معنى اعتراف الغربيين اليوم بسلامة تقاليد الزواج في الشرق أننا بُرَآءُ من الخطأ في بعض هذه التقاليد. فنحن لا ريب مخطئون حين نحجب الخطيب عن رؤية مخطوبته، والنظر إليها، ونكتفي برؤية وسيطاته من أهل بيته، فنظرة الرجل إلى المرأة غير نظرة المرأة إلى المرأة، كما أن نظرة المرأة إلى الرجل غير نظرة الرجل إلى الرجل. والإسلام يهتم بهذا الاعتبار الجنسي، أي نظرة كل من الجنسين إلى الآخر، اهتماما بالغا، وقد أوصى نبي الإسلام -عليه الصلاة والسلام- المغيرة -أحد الصحابة- بالنظر إلى مخطوبته، وعلل ذلك بأنه أحرى أن يوفق بينهما بعد الزفاف: (انظر إليها فذلك أحرى أن يؤدم بينكما). وفي الوقت الذي نجد فيه بعض الشرقيين يحرمون نظر الخطيب إلى مخطوبته قبل الزفاف وقبل إبرام العقد، ويتحملون بسبب ذلك نتائج غير حميدة، نجد أن بعضهم يبيحون اختلاط الخطيبين واختلاءهما وخروجهما إلى أماكن النزهة والسمر، ويقعون في نفس النتائج غير الحميدة، إلا أنها من نوع آخر.. فكثيرا ما يحدث الشقاق ويتبعه الطلاق في زيجات الفريق الأول، لأن الزوج لم ينظر إلى زوجته قبل الزفاف، ويتعلق منها بشيء يحبه ويهواه، أو يكون جمالها من النوع الذي لا يروق صاحبنا المظلوم الذي زوج بعين غيره، وكثيرا ما تنتهي الخطوبة بالنسبة للفريق الثاني إلى الاكتفاء والارتواء، حيث يزل الخطيبان الزلة اللعينة تحت وطأة الغرام العارم، ويجد الخطيب نفسه قد اكتفى من ناحيته وأنه لا يثق في مخطوبته من ناحية أخرى، وتكون الضحية هي الفتاة، ولرب شهوة ساعة قد أورثت حزنا طويلا كما يقول الشاعر القديم، بل إن كثيرا من الفتيات قد انتحرن لأن فوارس أحلامهن الذين قضوا منهن وطرا نقضوا عهودهم بالزواج منهن!! أرأيتم كيف نخطئ نحن الشرقيين في بعض تقاليد الزواج بين إفراط وتفريط؟ ألا ما أجمل الاعتدال، وما أحكم مناهج الإسلام!! وهنالك من أخطائنا في بلاد الشرق: التغالي بالمهور والإسراف الذميم في إقامة حفلات الزواج، والتعالي الكاذب من أسرة المخطوبة على أسرة الخطيب، واشتراط الشروط المادية أو المظهرية دون البحث عن الدين والخلق، كما يقضي منهاج الإسلام في ما قاله صلى الله عليه وسلم: (إذا أتاكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) وأي فتنة! وأي فساد أكبر من فساد فتيات كثيرات واضطرارهن إلى الزلات اللعينة داخل البيوت وخارجها.. بعد أن رد عنهن الخطاب وقفل أمام أحلامهن الباب! يقول فولتير: (لئن كان الحب جزءاً من حياة الرجل فهو كل حياة المرأة)، فلماذا لا نقدر حق المرأة في الشعور بالحب البريء، وفي أن تحلم بزوج يسعد دنياها وأولاد يملؤون بيتها زينة وبهجة وأملا في امتداد العمر وعونا على جهاد الحياة، ومتى كان هذا الشعور بالحب البريء وأحلام الزوجية الهانئة وقفاً عل الرجل دون النساء؟ ألا ما أظلم الآباء والأولياء لفتياتهم المعضولات! وما أجدر هؤلاء الفتيات بأن تزل أقدامهن تحت ضغط الحرمان المتعمد وتأثير المغريات القريبة والفتن الميسورة، يجب علينا ونحن نكتشف أخطاء الغير في تقاليد الزواج عندهم أن نصحح ما لدينا من أخطاء، ويجب أن نبادر إلى الاعتراف بحق المرأة في الزواج كما نعترف بحق الرجل فيه على سواء، وليس حق المرأة في الزواج هو ما نفهمه من سوقها إلى أقرب خطيب وفي سن مبكرة طلبا للخلاص من متاعب تربية البنات ومخاوف إبقائهن دون زواج، أو الموت قبل إلصاقهن بأي زوج، فهذا خطأ آخر نجترحه ونحن متغافلون عن ثمرته المرة، وغير متعظين بالتجارب المتكررة للزواج المبكر بالنسبة للفتى والفتاة على سواء. إن فتى العشرين وما دونها عندما يتزوج بفتاة الخامسة عشرة وما دونها لا يقدر كلاهما رسالة الحياة الزوجية حق قدرها، ولا يفهمان من معانيها ولا يدركان من أسرارها ما يعينهما على الاتفاق والاتحاد، واحتمال تكاليفها والتزاماتها ويساعدهما على التسامح والتغاضي عن الزلات والهفوات، بل تظل نظرات كل منهما إلى الآخر كنظرة الآمر إلى المأمور وبالعكس.. فالزوج الصغير يمثل كما علمه أهله دور الرجل الكبير الذي يجب أن يطاع إذا أمر، والزوجة الصغيرة تمثل -كما علمها أهلها- دور القطة المدللة أنها تريد أن تظل في بيت زوجها كما كانت في بيت أبيها مخدومة مكرمة منعمة! ولأهل الزوج هنا دور خطير دور القط بالنسبة للفأر، فلا حرية ولا كرامة ولا حقوق عاطفية للزوجين الصغيرين إلا في حدود المراقبة والتربص، أو الغمزات واللمزات من أعين أهل الزوج وألسنتهم وآذانهم المفتوحة وسعها إتقانا لدور القط مع الفأر، وحدث -ولا حرج- عن مصير الحياة الزوجية مع قيام هذه المنغصات التي يجب أن نضيف إليها عدم استقلال الزوج الصغير عن أهله، وعدم قدرته على الانفصال بزوجته بعيداً عنهم بسبب عجزه المالي أو خوفه من غضب أبويه، وينتهي الأمر إلى الشقاق الدائم أو الطلاق الحاسم، ومرد هذا البلاء كله إلى العاطفة الحمقاء، عاطفة الخوف على البنت وعاطفة الفرح بزواج الابن.. مهما كانا غير صالحين للزواج وهما مرت التجارب المكررة ووقعت النتائج المريرة على مرأى ومسمع من هؤلاء الآباء والأولياء الحمقى.. وإذن فنحن في حاجة إلى عقل يضبط زلات تقاليد الزواج في بلادنا، فلا يكون بيننا فريق يتغالى في أمور الزواج، وتقع الطامة على رؤوس الفتيات الناضجات، فيكسدن ويفسدن وفريق يتسامح ويتهاون مأخوذ بعاطفة الخوف على البنات أو عاطفة الفرح بزواج الأبناء وهم في سن لا تؤهل الجنسين لحمل رسالة الزوجية الناجحة، وفريق يتجاوز الحدود المشروعة في أمر الخطوبة، فيحل الاختلاط والاختلاء بين الخطيبين حتى تقع الزلات اللعينة ويمتنع الأمل المنشود، وفريق يحرم الحلال فيمنع النظرة المباحة من الخطيب لمخطوبته النظرة المحققة للوئام والاتفاق بينهما بعد الزفاف. نحن في حاجة إلى (عقل) يصحح هذه الأخطاء العاطفية في تقاليد الزواج على ضوء ما شرعه لنا ديننا العادل الفاضل.