نتيجة تراكم عقود من الاستبداد والفساد والمحاصصة الطائفية، التي أوصلت لبنان لحافة الجحيم، خرج اللبنانيون بكل أطيافهم في ثورة عارمة. كان من نتائجها استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري، وسبقه إلى ذلك وزراء «سمير جعجع». علينا أن نتوقف هنا بعناية أمام خطوة الحريري، ونطرح السؤال: هل سقطت أم أسقطت الحكومة؟ في ظاهر الأمر نعم حدث ذلك، ولكن علينا أن نقرأ المشهد بتمعن حينها سنكتشف أن الحكومة لم تسقط بل استقال رئيسها لأسباب عديدة، الظاهر منها للعيان أنه نزولا عند مطلب الثوار اللبنانيين، لكن أي مراقب للمشهد سيكتشف أن الحريري استقال لأنه لم يتم التعامل بإيجابية مع ورقة الإصلاح التي تقدم بها بعد مهلة 72 ساعة. لنتذكر هنا لاءات زعيم ميليشيا حزب الله، الذي قال بكل وضوح إن العهد لا يمكن إسقاطه، وهو ضد استقالة الحكومة. وهذا كان موقف الرئيس ميشال عون وتياره بزعامة صهر الرئيس الوزير المثير للجدل والخلاف في أي مكان حل فيه «جبران باسيل». أعتقد أن استقالة الحريري كانت لها أسباب أخرى، للعلم قبل بالتسوية مع ميشال عون وحليفه حزب الله بهدف وصول عون لرئاسة الجمهورية وتحقيق حلم عمره الممتد عقودا طويلة، ووصول الحريري لرئاسة الحكومة، متخليا عن دعم سمير جعجع للرئاسة، والكاسب الحقيقي في هذه المحاصصة حزب الله الذي عطل انتخاب رئيس الجمهورية إلا بشروطه، معلناً أن الطريق إلى قصر بعبدا يمر عبر بوابة الحزب، والقبول بدعم مواقف الحزب وسياساته في سورية وتغطيته سياسيا في «الداخل والخارج»، وتأمين الغطاء القانوني والشرعي له أمام المجتمع الدولي بصفته حزباً سياسيا ومقاومة وطنية للاحتلال. داخلياً، إنهاء أي حديث عن سلاح الحزب وهيمنته على السلطة، السكوت بل الدعم لحرب الحزب في سورية واليمن والعراق ومواقفه الداعمة لإيران، والتطاول على حكومات بعض الدول العربية. أجاد باسيل لعب دور «محامي الشيطان»، تبنى سياسات الحزب، ونافح عنه في المحافل الدولية والعربية، وأثار باسيل الجدل على مدار الأشهر الماضية بعد نشره سلسلة تغريدات مستفزة للجميع وصفت بقمة العنصرية، خاصة في موضوع العمال الأجانب، وموقفه من اللاجئين السوريين والفلسطينيين. تصرفات باسيل كانت تهدف لتقوية نفوذه وسلطته الحزبية والطائفية وتقوية حظوظه في انتظار إعلان وفاة ميشال عون لخلافته، وقد أدرك أن في الانبطاح التام لحزب الله هو الطريق الأسهل للوصول إلى قصر بعبدا. بالأثناء حاول تهميش دور الرئيس الحريري، وإقصاء خصمه اللدود الرئيس المحتمل سمير جعجع، ومحاصرة نفوذ الزعيم الدرزي جنبلاط، والانفراد بالحكومة بغطاء من حزب الله وحركة أمل وكتلته البرلمانية.