يُصّور العنف بأفضل أشكاله في بعض المسلسلات الخليجية، ليوهم المشاهد بأنه شكل من أشكال الحب. العنف السائد والمروج في هذه المسلسلات يسمى في الصحة النفسية «عنف الشريك الحميم» Intimate Partner Violence IPV، وهو سوء المعاملة أو العدوان الذي يحدث في العلاقات، ويقصد بالشريك الحميم كل من الزوجين أو شخصين لهما تاريخ سابق. هناك أربعة أنواع من سلوكيات عنف الشريك الحميم: (IPV) هي: (1) سلوكيات العنف الجسدي وذلك عندما يؤذي المُسيء أو يحاول إيذاء شريكه من خلال الضرب أو استخدام أي نوع من القوة البدنية. (2) سلوكيات الملاحقة وتعد هذه السلوكيات نمطاً من الاهتمام المتكرر غير المرغوب فيه، مثل: الاتصال بالشريك ما يسبب له مشاعر سلبية، كالخوف على سلامته الشخصية من المُسيء أو سلامة شخص قريب من الضحية. (3) سلوكيات العدوان النفسي أو الإساءة العاطفية، وتعني استخدام التواصل اللفظي وغير اللفظي بقصد إيذاء الشريك «الضحية» عقليًا أو نفسيًا أوعاطفيًا أو ممارسة السيطرة عليه. (4) سلوكيات العنف الجنسي وتتمثل في إجبار أو محاولة إجبار الشريك «الضحية» على المشاركة في سلوك جنسي أو سلوك جنسي غير جسدي مثل: الرسائل الجنسية، عندما لا يوافق الشريك «الضحية» أولا يستطيع التعبير عن موافقته عليها. إن من سلوكيات عنف الشريك الحميم الأكثر انتشارًا في المسلسلات الخليجية، الأنواع الثلاثة الأولى، كأن يضرب الزوج زوجته بسبب لبسها أو تصرفاتها، وهذا يعد نوعاً من أنواع سلوكيات العنف الجسدي، وملاحقتها لمكان عملها لمراقبة تصرفاتها تعد سلوكاً من سلوكيات الملاحقة، واستخدام الغيرة كمبرر لممارسة سلوكيات العدوان النفسي والتحكم والسيطرة عليها لتخضع لمطالبه. هذا النوع من المسلسلات يروج للعلاقات المضطربة، ويرسل رسائل كاذبة وسلبية وغير صحية عن الحب في العلاقات، ما يؤدي إلى تطبع العنف من خلال طرق عديدة من ضمنها توصيف المُسيء بشكل إيجابي، أو رسم نهاية سعيدة للعلاقة المضطربة، فعندما يرى المشاهد - وبالأخص عينة المراهقين - الكثير من هذا النوع من العنف على شاشات التلفاز، فإن ذلك يؤثر في طريقة تفاعله مع العالم من حوله، ويسعى إلى محاكاة هذه النماذج المضطربة، ومع مرور الوقت من رؤية العنف في المسلسلات يصبح المُشاهد أقل حساسية للألم النفسي، ويقنع ذاته ومن حوله بأن العنف الذي يُمارس عليه هو سلوك طبيعي يحدث بين المحبين، وربما هو معيار للحب «هو يعاملك بهذه الطريقة؛ لأنه يحبك ويغار عليك»، ويقدم نموذجًا خاطئًا للرجل كذلك في العلاقات، كأن يعتقد بأن عليه أن يكون صلبًا ويعنف شريكته؛ لأنه يحبها ويخاف عليها. إن المُسيء قد يكون مُحباً، لكن طريقة تعبيره عن الحب خاطئة، ولها تأثير على صحة الشريك «الضحية» النفسية، حيث إن التعرض المزمن والمتكرر للعنف يتسبب في تغيير العمليات العاطفية والإدراكية والسلوكية للضحية بشكل سلبي، والدراسات أكدت أن ترويج نماذج سلوك عنف الشريك الحميم (IPV) على شاشات التلفاز يزيد من احتمالية حالات القتل من قبل الشريك الحميم بنسبة تتراوح بين 32% و 42%. نحن بحاجةٍ إلى رفع مستوى الوعي بين الكُتاب والممثلين بالمسؤولية التي يتعين عليهم تحملها لمكافحة تقديم نماذج السلوكيات المضطربة كسلوك عنف الشريك الحميم (IPV) في وسائل الإعلام، وذلك لفعالية الإعلام في رفع نسبة هذه النماذج من السلوكيات المضطربة في المجتمع. شاشة التلفاز مفتاح هام لنقل رسائل تُوجه لعينةٍ كبيرةٍ من الجمهور، وبالأخص عينة المراهقين.