يعتبر العنف اللفظي النفسي من أكثر أنواع العنف انتشاراً وأكثرها خطراً على صحة الضحية النفسية والجسدية والعقلية خاصة إذا تزامن معه العنف الجسدي، وتكمن خطورة العنف اللفظي في صعوبة اكتشافه سواء من الضحية ذاتها أو من قبل الآخرين، وهو كنوع من العنف الأسري يمارس خلف الأبواب المغلقة وبالتالي يضمن من يمارسه عنصر السرية والقبول الاجتماعي من الآخرين الذين لا يعرفون حقيقته، وتظل شكوى الضحية غير مقبولة لدى كثير من الناس، واكثر مما يميز من يمارس هذا النوع من العنف بصفة خاصة والعنف بأنواعه المختلفة بصفة عامة انه شخص مسالم، طيب، ودود ويحظى بقبول اجتماعي من الآخرين لدرجة اننا نستطيع ان نطلق عليه لقب السيد اللطيف (Mr.Nice) وهنا تكمن معضلة المرأة التي تعيش مع زوج من هذا النوع فقد لا يصدقها حتى أقرب الناس لها في شكواها منه، ويعتقدون انها تبالغ، وتتهم زوجها بما ليس فيه، وليس هذا مقتصرا على الأهل والأصدقاء بل وجد انه حتى المعالجين والمرشدين النفسيين لم يتنبهوا لهذا النوع من الإساءة الا مؤخرا فكثيرا ما تقابل شكاوى النساء عن الإساءة اللفظية الانفعالية بعدم الاهتمام، وان المرأة الشاكية حساسة زيادة عن اللزوم وانها لم تفهم ما يقصده الزوج المسيء، فقد لا نعطي قيمة لزوج تسأله زوجته "هل انتهى البرنامج الذي تشاهده؟" ثم يرد عليها بسخرية وتهكم "ماذا؟.. البرنامج!! هذا ليس برنامجا بل مسلسل تلفزيوني.. ظننتك تعرفين الفرق الواضح بين البرنامج والمسلسل، ان جملة مثل هذه قد تصدر عفوا من كثير منا ولكنها اذا تكررت بطريقة او بأخرى فان هدفها واضح وهو الحط والانقاص من قيمة الآخر، هذا مثل لنوع واحد من الاساءة اللفظية والذي تتعدد أنواعه وأساليبه.. إن كثيرا من النساء يتعرضن لبعض الاضطرابات النفسية كالاكتئاب والقلق والأرق والاضطرابات الجسمية كقرحة المعدة والقولون لسنوات طويلة واختلال اتزانهن النفسي ويتلقين رسائل مزدوجة من أزواجهن تتراوح بين الحب والكره المتمثل في الإساءة النفسية واللفظية، والغريب ان كثيرا من النساء لا تستطيع وضع يدها على سبب ما تمر به من مشاكل، لأن هناك قدرة للشخص المسيء بأن يصل بضحيته الى درجة يعتقد فيها انه لابد وان يكون هو السبب لما يجري له، او انه ليس بالمستوى المطلوب وقد تشعر المرأة بأنها أقل علما وذكاءً وفهما من زوجها وبالتالي تشعر بانخفاض في قيمة الذات يكون تركيزها الأكبر على ذاتها ومكامن العيب فيها بدلاً من البحث عن العوامل الخارجية التي تسبب لها المرارة والتعاسة.. ان هناك بعضاً من الزوجات عشن أسيرات هذا النوع من العلاقات الزوجية لسنوات وسنوات، ولقد حان الوقت لأن نهتم بالإساءة النفسية اللفظية كما نهتم بالإساءة الجسدية وان نعلم بناتنا وأولادنا ماهيتها ومدى تأثيرها على شخصية الفرد وسلامته النفسية والجسدية.