أصبح السلوك العدواني لدى طلبة المدارس حقيقة واقعية موجودة في معظم دول العالم، وهي تشغل كافة العاملين في ميدان التربية بشكل خاص والمجتمع بشكل عام، وتأخذ من إدارات المدرسة الوقت الكثير وتترك آثاراً سلبية على العملية التعليمية، لذا فهي تحتاج إلى تضافر الجهود المشتركة سواء على صعيد المؤسسات الحكومية أو مؤسسات المجتمع المدني أو الخاصة للحد من هذه الظاهرة، كونها اجتماعية بالدرجة الأولى وانعكاساتها السلبية تؤثر على المجتمع بأسره، ولكن يجب النظر إلى كافة الظروف البيئية المحيطة بحياة الطالب الأسرية، والتي بلا شك أن لها المسبب الأكبر في تكون وتشكيل شخصيته منذ بداية نموه، ثم ما ينعكس على سلوكه من خلال المجتمع المدرسي، فقد يكون المتسبب في سلوكه أسرة مضطربة بسبب فقدان أحد الوالدين أو كليهما، أو نتيجة للظروف الاقتصادية أو الحياتية، كما ينتج السلوك العدواني عن التدليل أو الإفراط في العقاب، وأياً يكْن فإننا نؤمن كنفسيين بأن السلوك الإنساني ما هو الاّ تعبير إسقاطي لما يلوح في النفس البشرية. أشكال العدوان بداية نود تعريف العدوان بشكل عام والعدوان المدرسي بشكل خاص، فيعّرف باندورا العدوان بأنه سلوك يهدف إلى إحداث نتائج تخريبية أو مكروهة أو إلى السيطرة من خلال القوة الجسدية أو اللفظية على الآخرين، وهذا السلوك يعرف اجتماعياً على أنه عدواني. ويعرفه آخرون بأنه السلوك الذي يؤدي إلى إلحاق الأذى بالآخرين سواء كان نفسياً كالإهانة أو الشتم أو جسدياً كالضرب والعراك. أما العدوان المدرسي، فهو الذي يظهر في المواقف المدرسية، وهو مظهر سلوكي للتنفيس الانفعالي أو الإسقاط لما يعانيه الطالب من أزمات انفعالية حادة، حيث يميل بعض التلاميذ إلى سلوك تخريبي أو عدواني نحو الآخرين سواء في أشخاصهم أو أمتعتهم في المنزل أو في المدرسة والمجتمع. ويظهر العدوان المدرسي بعدة أشكال منها: العدوان الجسمي كالضرب والعراك، أو العدوان اللفظي كالإهانة والشتم، أو العدوان الذي يأتي بشكل نوبات غضب، أو العدوان غير المباشر كالاعتداء عن طريق شخص آخر، أو العدوان السلبي مثل العناد، المماطلة، التدخل المتعمد. تفسير نفسي للسلوك يحكم السلوك الإنساني نمطان من الدوافع التي توجهه للتصرف على نحو محدد من أجل إشباع حاجة معينة أو لتحقيق هدف مرسوم: أولهما دوافع أولية تتعلق بالبقاء وتضم دوافع حفظ الذات (وهي دوافع فسيولوجية ترتبط بالحاجات الجسمية) ودوافع حفظ النوع المتمثلة بدافعي الجنس والأمومة، وثانيهما دوافع ثانوية تكتسب أثناء مسيرة التنشئة الاجتماعية للفرد عن طريق التعلم، ومن بينها دوافع التملك والتنافس والسيطرة والتجمع، وترتبط هذه الدوافع بصورة عضوية وأساسية بانفعالات الغضب والخوف والكره والحسد والخجل والإعجاب بالنفس وغيرها، إذ تحدث في الجسم حالة من التوتر والاضطراب تتزايد حدة كلما اشتد الدافع ثم أشبع أو أعيق عن الإشباع، فقد تكون قدرات الفرد وعاداته المألوفة غير مواتية لإشباع حاجاته وتلبية رغباته ودوافعه لأسباب ذاتية ناتجة عن عوائق شخصية كالعاهات والإشكاليات النفسية التي تؤثر على قدراته، أو خارجية ناتجة عن ظروف بيئية كالعوامل المادية والاجتماعية والاقتصادية. دافع حب السيطرة إن دافع حب السيطرة عند الفرد مثلاً يتطور ليصبح ميلاً إلى العدوان والعنف في خمس مراحل: أولها: الشعور بقلة رعاية الوالدين للأبناء، وربما ترك أحدهما بيت الأسرة بسب الطلاق فيصبح الطفل عدوانياً بسبب فقدانه رعاية الأب وعطفه أو نتيجة مشاهدته أشكال النزاع بين الوالدين كما يصبح الطفل مفرط الحركة إلى حد يجعله مصدر إزعاج سلوكي وهو في سن الثالثة وقد يتعرض الطفل في هذه المرحلة إلى صور شتى من التعسف والإيذاء الجسدي، وربما يصل الأمر إلى التعرض إلى التحرش الجنسي. وفي المرحلة الثانية من مراحل تحول دافع السيطرة عند الأطفال إلى سلوك عدواني تبرز صورة الانضمام إلى شلة تلبي حاجتهم للانتماء. وفي المرحلة الثالثة تبرز صورة الانضمام إلى مجموعة رفاق فاسدة، ومن هنا برزت الحاجة لتدريب الأطفال على تنمية علاقات سوية بالآخرين أساسها قيم التعاون والصداقة بدلاً من قيم السيطرة والتنافس. وفي المرحلة الرابعة يقوم الأطفال ببعض أعمال السلوك العدواني والعنف البسيطة التي تتطور إلى جرائم وتتحول مجموعات الرفاق إلى عصابات. وخامس هذه المراحل تحول السلوك العدواني والميل إلى العنف وربما الإجرام إلى سمات تصطبغ بها شخصيات الأطفال. ويعد انفعال الغضب إيجابياً من حيث أنه ضروري للدفاع عن الذات، إذ يمنح الفرد طاقة كبيرة تمكنه من القيام بمجهود عضلي كبير، ويدفعه للقيام ببعض النشاطات التي من شأنها أن تزيل العقبات التي تعترض سبيله أو تهدده بالخطر، لكنه يظهر أحياناً بشكل يتجاوز الحد الطبيعي، وفي مواقف عادية لا تبرر وجوده، وفي ظروف يصعب التحكم فيها، فينجم عنه في هذه الحالة مساوئ عديدة تلحق بالمرء ضرراً شديداً. انفعال الغضب إن انفعال الغضب قابل للتحويل، فغضب الطفل من والديه قد يدعوه للانتقام من أحد إخوانه أو رفاقه، أو لضرب حيوان أليف، لأنه لا يستطيع أن يوجه غضبه نحو والديه، ويبدو الطفل حينئذ عدوانياً ميالاً للعنف في تعامله مع الآخرين. وشعور الطفل بالتهديد المحدق بمركزه الاجتماعي وأهدافه، وكذلك الخوف من إظهار رغباته المكبوتة، والخوف من الشعور بالذنب أو من عقاب متوقع، والتعرض لخبرات مؤلمة متشابهة لخبرات سبق أن تعرض لها يجعله في حالة قلق، تكون عادة مصحوبة ببعض الأعراض البدنية كتصبب العرق باستمرار، واضطرابات المعدة والأمعاء والصداع وسرعة خفقان القلب وبرودة الأطراف فضلاً عن الأرق والضيق والاكتئاب وعدم القدرة على التركيز الذهني.