هل فكّرت المؤسسات الثقافيّة العربيّة في دعم الأقلام الواعدة؟ علينا التحلّي بالصراحة والشفافية، حتى لا يقول أحد: ما الحاجة إلى ذلك الآن؟ الدواعي كثيرة. منها أن العربية تتراجع لأسباب عدّة، ومنها أن مناهج الفرع الأدبي بالذات، تصبّ كل همومها في تعبئة وعاء الدماغ بتاريخ الأدب ومذاهب النقد، لا إلى تربية مبدع وتأهيله، فهي تنظر إلى رأس الطالب كقرص صلب للتخزين، لا كحاسوب كوني قادر على الإبداع بلا حدود. تدريس العربية وآدابها، ينحصر في حشو الجمجمة بالقواعد وعصور تاريخ الأدب. إذا سلّمتَ بمضمون الجملة الأخيرة، فتفضل بإجابة دقيقة: كم نسبة الطلاب المتمكنين من العربية كتابةً سليمةً ونطقاً فصيحاً؟ الشقّ الموازي أنكى: لماذا توارت من الساحة العربية الأساليب المتميّزة بالجماليات المتنوّعة؟ أنت أعقل من أن تقول: إن العالم العربي غارق حتى أذنيه في بحار العلوم والتقانات، فلم تعد تستهويه طنطنات أساليب الكتابة، ومن غرامه إبداع سيمفونيات العلوم، لا يعود يغريه أو يغويه طنين الكلمات. لكن، لا حرج عليك إذا سألتَ في حيرة: كيف اختفت السقوف الأدبية العالية لكن، لا حرج عليك إذا سألتَ في حيرة: كيف اختفت السقوف الأدبية العالية، فأمست الأوساط الثقافية بلا «زعماء»، بلا روّاد؟ حاول استعراض القامات والهامات بين 1920 و1960. كأنما «وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي». على علماء العربية، في مجامع اللغة وخارجها، أن يبتكروا لهم أدواراً فعّالةً هي في صميم الأمانة التي يحملونها، والمسؤولية التي يضطلعون بها، في الظروف الحرجة التالية: إخفاق المناهج العربية في تدريس اللسان العربي. تفشّي العامّية في الإذاعات والفضائيات، فهذه قضية سياسية تفتيتية في المدى البعيد، لأنها ليست منفردةً، فهي ضمن باقة من الأشواك السامّة، فكلمات الأغاني عامية بنسبة 99%، وهابطة بنسبة 90% أيضاً، صدق المثل: «أحشفاً وسوءَ كيْلة؟» أمّا الإنتاج التلفزيوني، المسلسلات والأعمال المسرحية المغاربية، فمن العسير الأعسر فهمها لدى بقية الشعوب العربية. يوضع في الحسبان بجدّ أن اللهجات العامّية تنمو باستمرار وتتطور بانتظام، بعكس الفصحى، لهذا ليس مستبعداً أن تزداد اللهجات تباعداً في منتصف القرن وما بعده. هل يُعقل أن ننسى السوس الذي ينخر عظام العالم العربي؟ الدمار الشامل المتواصل الذي يحيل عدداً من البلدان إلى عصر حجري، سيفاقم الأمّية، فتزداد الفصحى ترديّاً، والهويّة وهَناً. لزوم ما يلزم: النتيجة الفكريّة: عندما لا تُحلّ المعضلات الكبرى، فإنك تواجهها حتى حين تهرب منها إلى مسائل تبدو لك بعيدة. الدورة الدموية تحمل أدواءها إلى كل الشرايين، وكل الشعيرات الدموية. نقلا عن الخليج الاماراتية